تفسير قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون)

ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أن المشركين من قريش لما ضرب ابن مريم مثلاً وقد كانوا سمعوا قول الله سبحانه وتعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء:98 - 99] رفعوا أصواتهم وضجوا وقالوا: ابن مريم عبد من دون الله سبحانه وتعالى، فأخذوا يعرضون عن النبي صلوات الله وسلامه عليه ويصدون الناس عن دينه بهذا الهراء الذي يقولونه، ويصدون بمعنى يردون، ويرفعون أصواتهم فرحين بما قادهم إليه بعضهم من قوله إن عيسى النبي عليه الصلاة والسلام قد عبد من دون الله ونحن نعبد هذه الآلهة من دون الله، فإذا كان كل ما يعبد من دون الله في النار فقد رضينا أن تكون آلهتنا مع المسيح في النار، فلما قالوا ذلك ظنوا أنهم قد غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد تناقض في قوله، فهو يقول: كل ما يعبد من دون الله فهو في النار، والمسيح عيسى ابن مريم رسول الله وقد عبد من دون الله فسيكون في النار، وقد رضينا أن تكون آلهتنا معه في النار.

وقد قالوا ذلك ليصدوا عن سبيل الله عز جل ويصدوا عن دين الله سبحانه وتعالى، فأنزل الله سبحانه ((وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)) وأنزل في سورة الأنبياء على النبي عليه الصلاة والسلام {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103].

فالله عز وجل جعل للمسيح عليه الصلاة والسلام سابقة حسنى عنده، فهو عبده ونبيه ورسوله وأحد أولي العزم من الرسل وهؤلاء سبقت لهم من الله الحسنى، وهو لم يرض عما فعله هؤلاء وقد رفعه الله سبحانه إليه وسينزله مرة ثانية ليتوفى على الأرض كما توفي غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015