روى الإمام أحمد من حديث علي رضي الله عنه، قال: (انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم) وهو في مكة صلوات الله وسلامه عليه، في يوم من الأيام، وكان علي صغيراً، والنبي صلى الله عليه وسلم كبير، قال: (انطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس، وصعد على منكبي) وعلي صغير، فكون النبي صلى الله عليه وسلم صعد على منكبه لا يستطيع أن يحمله، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يغير المنكر بيده هو صلى الله عليه وسلم، أي: هو الذي يكسر الأصنام بنفسه صلى الله عليه وسلم، إذ كان فوق الكعبة صنم من نحاس مثبت عليها، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إزالة هذا الصنم، فلما وجد فرصة قال لـ علي: اجلس، وصعد على كتفه صلى الله عليه وسلم وأخذ بالصنم، ولم يقدر علي أن يرفع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا به يلاحظ أن علياً يضعف، فنزل هو صلى الله عليه وسلم وجلس وقال لـ علي: اصعد، وصعد علي على منكبي النبي صلى الله عليه وسلم، يقول علي: (فصعدت، فنهض بي) ولما حمله على كتفه صلى الله عليه وسلم قال علي: (إنه يخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء)؛ لأنه فوق منكب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ هذا الصنم، قال علي رضي الله عنه: (فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله، وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه) فكونه يكون عمره ثمان سنين أو فوقها، والنبي صلى الله عليه وسلم يرفعه، ثم يفعل هذا، هذا إكرام من الله عز وجل لـ علي أنه على كتف النبي صلى الله عليه وسلم يمسك بصنم فوق الكعبة، وهذا عجيب جداً، إذ إن الكعبة يستحيل أن يصل أحد إلى سقفها، ولكن علياً شعر أنه علا جداً وهو فوق كتف النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد بإسناد رجاله ثقات قال: (حتى إذا استمكنت منه، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقذف به، قال: فقذفت به، فتكسر كما تتكسر القوارير) تخيل صنم من نحاس موجود فوق الكعبة، يقذفه على الأرض وينكسر كما ينكسر الزجاج، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس، قال: حتى استترنا بالبيوت، فلم يوضع عليها بعد) أي: لم يجرؤ أحد أن يضع صنماً مرة أخرى فوق ظهر الكعبة، بعد هذا الصنم الذي كسره النبي صلوات الله وسلامه عليه.
والغرض: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لم يعبد الأصنام، ولم يتقرب إليها، إنما كان يعبد الله سبحانه، ويتقرب إلى ربه سبحانه، ستره الله عز وجل وهو صبي صغير، وأعطاه الحكمة صلوات الله وسلامه عليه وهو شاب كبير، حتى إن المشركين اختصموا في الحجر الأسود: من الذي يضعه؟ لما بنوا الكعبة، واختصمت على وضعه أربع قبائل، فإذا بهم يقولون: نحتكم لأول من يطلع علينا، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم أول من يخرج إليهم، فيقولون: هذا الصادق الأمين، فيأتي ويخلع رداءه ويجعله على الأرض، ويأخذ الحجر بيده الكريمة ويجعله على الرداء، ويأمر مندوباً من كل قبيلة أن يمسك بطرف من أطراف الرداء، فأمسكت كل قبيلة بطرف ورفعوا الحجر، وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة ووضعه مكانه، فكان موفقاً قبل أن يبعثه الله، ثم لما بعثه الله أكمل عليه النعمة، وهداه لهذا الدين العظيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.