قال الله تعالى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج:59] وعد من الله أن يدخلهم مدخلاً يرضونه، وفيها قراءتان: قراءة الجمهور: {مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ}، وقراءة نافع وأبي جعفر المدنيين: (مَدْخلاً يرضونه) هذا مصدر ميمي، والأول مشتق من الرباعي، والثاني مشتق من الثلاثي، أي: أدخلهم مُدْخلاً ودخلوا مَدْخلاً، فأدخل الله عز وجل هؤلاء مُدْخلاً يرضونه، أو دخلوا هم يوم القيامة مَدْخلاً حسناً عند ربهم سبحانه وتعالى في الجنة، فقوله تعالى: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} [الحج:59] أي: يرضون ما دخلوا فيه، حين يرون الأجر العظيم من الله.
قال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج:59] لما ذكر الله أجر هؤلاء ذكر اسمين من أسمائه سبحانه، الاسم الأول: العليم، الاسم الآخر: الحليم سبحانه وتعالى.
فقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج:59] أي: عليم بمن يستحق هذا الأجر العظيم، وعليم سبحانه وتعالى بنيات هؤلاء، وحليم عن عقابهم، قد يسيء الإنسان ثم يهاجر في سبيل الله، فالهجرة تجب ما قبلها، وقد يكون بعض من هؤلاء وقع في نوع من الذنوب، أو شيء من الآثام، وبعد ذلك يستر عليه الله ويغفر له، فالله حليم، وكم من إنسان يجاهد في سبيل الله سبحانه وتعالى مستيقناً بما أوجب الله عز وجل من هجرة ومن جهاد وله الأجر العظيم عند الله سبحانه، ولعله كان قبل ممن يدفع هذا الدين ويمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو في مكة، وأن يدعو إلى دين ربه سبحانه، فالله سبحانه حلم عليهم، ثم أرشدهم وهداهم إلى الإسلام ثم جعلهم شهداء، بل قد يكون قد قتل مسلماً مثل: خالد بن الوليد، في يوم أحد كان كافراً، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في يوم أحد يقاتلون هؤلاء الكفار، وإذا بـ خالد يسلم بعد ذلك قبل فتح مكة، ويدخله الله عز وجل في هذا الدين مدخلاً حسناً، ويكون من المجاهدين لإعلاء دين رب العالمين سبحانه، فالله حليم سبحانه وتعالى، عليم بقضائه وقدره، علم سبحانه وتعالى أن هذا ممن يستحق الحسنى من الله عز وجل، فلم يؤاخذه بذنوبه، ولم يعجل له العقوبة، وتاب عليه سبحانه وتعالى، وجعله من المجاهدين، فالله عليم بمن يستحق الرحمة، والله يحلم عن العاصي لعله يتوب، فإذا تاب رفعه وغفر له سبحانه وتعالى، وفرق بين أن يحلم على إنسان ليتوب، وبين أن يملي إنساناً ليعذبه، فالله عز وجل يحلم عن إنسان علم في قلبه الخير، فإذا به يتركه فيراجع نفسه ويتوب، فيتوب الله عز وجل عليه، ويملي إنساناً آخر في معصية؛ فإذا به يزداد عتواً وفجوراً، ويزداد بعداً عن دين الله ونفوراً، فإذا بالله يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
نسأل الله عز وجل بفضله حلمه وكرمه ورزقه الحسن، ونعوذ بالله من عذابه، ونسأله جنته ونعوذ به من عقابه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.