الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
يقول الله عز وجل في صفات المؤمنين الذي لهم الدار الآخرة: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:39 - 41].
البغي: هو الظلم، فمن صفات المؤمنين أنهم إذا ظلمهم أحد فهم ينتصرون إذا كان قصاصاً أو نحو ذلك، ولكنهم قد يفضلون العفو على ذلك، فلهم أن ينتصروا.
ولذلك كان السلف يحبون الإنسان ينتصف من ظالمه، وإذا كان قادراً عفا عنه، والسبب في ذلك: أنهم كانوا يخافون من تمادي الظالم في ظلمه، فالإنسان الوقح الذي يريد ظلم غيره لو سكت عنه كل الناس، وعفا عنه كل الناس لتمادى في بغيه وفي ظلمه.
فالإنسان المستكبر والظالم الباغي الذي يأخذ أموال الناس لا بد من التصدي له، ولا ينبغي العفو عن مثل هذا.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) فكأن الأصل أن تنتصف وأن تنتصر ممن يظلمك، فإذا وجدت منه تراجعاً وندماً على ما فعل، فيكون العفو أولى عن مثل هذا الإنسان.
والآية في هذه السورة مكية، فهي في المشركين وفي غيرهم، ومن صفات المؤمنين: أنهم ينتصرون من الجميع، من المشركين ومن غير المشركين، سواء كان الذي ظلمه كافراً أو مسلماً.
ويقول العلماء: إن الله سبحانه وتعالى ذكر الانتصار في معرض المدح، وذكر العفو في معرض المدح، فمدح الانتصار والعفو.