قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الحج:58] قالوا: إن هذه الآية نزلت لما مات بالمدينة عثمان بن مظعون رضي الله تبارك وتعالى عنه والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحبه، وحضر النبي صلى الله عليه وسلم جنازته، وبكى عليه صلوات الله وسلامه عليه ودفنه، وعلم قبره صلى الله عليه وسلم بحجر وقال: (ادفنوا إليه من مات من أهلي)، فلما مات عثمان قال بعض الناس: من قتل في سبيل الله أفضل ممن مات حتف أنفه، وقالوا: إن عثمان بن مظعون مات على فراشه، والذين قتلوا في غزوة بدر وفي غزوة أحد أفضل ممن مات على فراشه، فأنزل الله سبحانه وتعالى أن الجميع لهم الرزق الحسن عند الله سبحانه وتعالى، فسوى بينهم وقال: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج:58] فسوى بينهم في الرزق الحسن، وفي الآية الأخرى قال سبحانه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100] هذا من خرج سواءً وصل أولم يصل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات)، قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا} [النساء:100] نوى أن يخرج مهاجراً إلى الله ورسوله، {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء:100] أي: وصل للمدينة أو لم يصل إلى المدينة فأدركه الموت على هذه النية، {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100] إذاً: لم يضع أجر هذا الإنسان، بل وقع على الله، إذاً: هنا لم يضع ما وقع على الله، وما ذهب إلى الله سبحانه وتعالى فقد وقع أجره، أي: ثبت أجره على الله، وجاء بلفظ: {عَلَى اللَّهِ} كأنه أوجب على نفسه سبحانه وتعالى الأجر لهذا الإنسان ولمن كان مثله، فقد وقع أجره على الله.