يقول الإمام البخاري: وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج؛ إذ إن الكفار قادمون إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه، فقد كان الكفار عددهم ثلاثة آلاف مقاتل، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم بمقدم جيش الكفار، فاستشار أصحابه في المكوث في المدينة ومقاتلتهم فيها أو الخروج إليهم لقتالهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يميل إلى أن يمكث في المدينة ولا يخرج منها، هذا كان رأيه صلى الله عليه وسلم، فاستشار أصحابه فطلبوا أن يخرجوا كما خرجوا في يوم بدر، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن يمكثوا في المدينة، فهي حصن حصين وعدد الكفار كبير، فالخروج إليهم يتطلب عدداً كبيراً، وكان من أصحاب هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول، فقد كان رأيه أيضاً أن يمكث النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ولا يخرج للكفار خارج المدينة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم استشار؛ لأن الله عز وجل أمره بذلك، فلما استشارهم كان أكثر الآراء على الخروج وعدم المكث في المدينة، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم ينفذ، فلبس النبي صلى الله عليه وسلم لأمة الحرب وأراد الخروج، فقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، فذهبوا إليه وقالوا له: يا رسول الله! إن بدا لك أن تقعد فاقعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله) أي: قضي الأمر، فقد لبست لباس القتال فلا ينبغي أن أخلعها، فخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بـ عبد الله بن أبي بن سلول يخذل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ويخرج بثلث الجيش من أتباعه، ويترك النبي صلى الله عليه وسلم وجيش المسلمين، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا سبعمائة رجل بعد أن كانوا ألف رجل، وجيش الكفار ثلاثة آلاف، فهذا صنيعه، وكم صنع من الإجرام مع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل المجرم المنافق الذي كان يبطن الكفر، ويظهر الإسلام، ويتولى اليهود، فلم ينفعه ذلك حتى مات وجاء ابنه يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه، هذا الرجل المجرم خذل جيش المسلمين، ورجع بثلث الجيش، ووجد لنفسه عذراً فقال: لم يسمع كلامي، وإنما سمع كلامكم أنتم، ورجع بعدما استيقن أن الكفار قد أتوا، وكأنه وجدها فرصة حتى يتخلص من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين الذين معه، وحصل ما حصل في يوم أحد، وانتصر المسلمون في أولها حتى عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهزموا في آخرها.
فالغرض: أنه استشار القوم، وليس هنا فقط، بل قد استشارهم قبل ذلك في بدر، واستشارهم بعد ذلك في الخندق، وفي مواطن كثيرة كان يستشير أصحابه.