إذاً: المؤمنون يجتنبون الوقوع في الكبائر، والكبائر كثيرة، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم نصوص على بعضها، ويلحق بها غيرها، فمما ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة (اجتنبوا السبع الموبقات)، أي: المهلكات، فهي سبع كبائر من أعظم الكبائر التي يقع فيها الناس، قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).
فهذا الحديث ذكر سبعاً من أكبر الكبائر، وفي رواية أخرى ذكرها وذكر فوقها اثنتين، فقال صلى الله عليه وسلم: (وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً).
من هذه الكبائر: الشرك بالله سبحانه وتعالى الذي لا يغفره الله عز وجل، والسحر، فالذي يتعلم السحر يتعلم الكفر، وقد أخبر الله عز وجل في كتابه عن هاروت وماروت أنهما يعلمان الناس السحر، قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102]، أي: لا تكفر بتعلم السحر، وبعمل السحر، فمن الكفر التعامل بالسحر وعمل السحر.
قال: (وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)، فهذه من كبائر الذنوب العظيمة، أن يقتل نفساً حرم الله عز وجل قتلها إلا بالحق.
قال: (وأكل الربا)، فأكل الربا من أكبر الذنوب والمعاصي، ومن أفحش ما يقع فيه الإنسان؛ لأنه يعلم أنه يمص دماء الناس، يعطي ديناً ويأخذ عليه مالاً فوق المال الذي أعطاه.
قال: (وأكل مال اليتيم)، كأن يكون عمهم أو أخاهم الأكبر، فيتولى أموالهم ويأخذ منها ما ينفقه على نفسه وعلى أهله وينفقها في الحرام، فهو يضيع على اليتامى أموالهم، وهذا من أقبح ما يكون، وإن لم تنزل الشريعة بتقبيحه، فعقل الإنسان يقبح مثل ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والتولي يوم الزحف)، أي: أن يتولى الإنسان حين يلتقي الصفان، والمؤمنون يطلبون الشهادة والنصر من الله عز وجل فإذا به يهرب ويدخل في قلوب المؤمنين الوهن، ويجعل الناس يخافون من أعدائهم، لأنه بدأ بالهرب فجعل غيره يقلده في ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)، وهو أن ترمي امرأة محصنة فاضلة مستورة بجريمة الزنا، فهذا من كبائر الذنوب.
قال: (وعقوق الوالدين)، أي: أن يعصيهما ولا يبر بهما، يأمرانه بالمعروف وهو يرفض ذلك، وينهيانه عن المنكر وهو يرفض ذلك، فهو لا يطيع الوالدين، بل يقطع ويعق، وهذا من كبائر الذنوب.
قال: (واستحلال البيت الحرام)، أن يستحل ارتكاب الذنوب في بيت الله الحرام، ويستحل أن يقاتل المسلمين فيه، ويستحل أن يؤذي الناس في بيت الله الحرام، ويستحل ما حرم الله في المسجد الحرام، أو في بيت الله الحرام قبلتنا أحياء وأمواتاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو: (إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه)، والصحابة ما كانوا يتخيلون ذلك، بل العرب لم يكن عندهم أن واحداً يعق أباه أو أمه، مستحيل أن يوجد ذلك؛ لأن العربي بطبيعته يحب أباه ويوقره، ويوقر جده، ويعرف أهله وحق أهله، ولذلك كانوا يذهبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقولوا له على عادتهم التي كانوا يقولونها: (إني سائلك عن شيء، فيقول: سل، فيقول: أنت خير أم جدك عبد المطلب؟).
فعلى عادة العرب أنه ليس من الممكن أبداً أن يقول أحدهم: أنا أحسن من أبي، أو أحسن من جدي، بل كانوا يفتخرون بآبائهم وأجدادهم، لذلك فإن الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى هذه العادة التي عنده: (أنت خير أم عبد المطلب؟)، فلا يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو خير من على الأرض جميعهم صلوات الله وسلامه عليه.
الشاهد: أن العرب كانوا يوقرون الآباء، لذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه، قالوا: وهل يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب الرجل أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، فالرجل قد يسب أبا الرجل، فيقوم الآخر بالرد عليه فيسب أباه وأمه، إذاً: هذا تسبب في لعن أبيه، فمن الفعل القبيح أن يشتم أبا الرجل، ومن الفحش أن يشتم أباه وأمه، وهذا مما يقع فيه الناس من فواحش الذنوب.
أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس)، فمن أكبر الكبائر والذنوب: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والعق بمعنى: القطع، أي: يقطع والديه، قال: واليمين الغموس، فهذه كبيرة أخرى من الكبائر لم تذكر في الحديث السابق.
إذاً: مفهوم العدد الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو للتعليم فقط، لبيان سبع من الكبائر، وليس المقصود: الحصر في السبع أو التسع فقط؛ لأن الكبائر كثيرة؛ ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه حين سئل: الكبائر سبع؟ قال: هن إلى السبعين أقرب.