يقول الله سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] فأنت ضعيف مخلوق خلقك الله سبحانه، وهو القوي العزيز الرحيم سبحانه، والإنسان حين يعصي الله يعاقبه الله بشيء من المصيبة بكرمه وفضله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) فأنتم استحققتم ما وقعتم فيه فجازاكم الله، ولو جازانا الله على كل مصيبة فلن نقدر أن نتحمل ذلك.
قال تعالى: (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) فجازاكم بالبعض فهو يعفو عن الكثير سبحانه وتعالى لعلكم تعودون إليه وتتوبون إليه سبحانه وتعالى.
يقول لنا النبي صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) انظر إلى رحمة الله وكرمه سبحانه وتعالى، فحتى لا توافي ربك بمعاص كثيرة يوم القيامة يبتليك الله عز وجل بشيء من التعب والنصب أو مرض تؤذى به، أو جرح أو وخز إبرة أو شوكة تشاكها فيعطيك حسنات، أو يكفر عنك من سيئاتك، فتلقى الله عز وجل يوم القيامة وقد خفف عنك بمصائبك.
قال تعالى: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) لذلك إذا حدث لك شيء من ذلك فقل: الحمد لله، ولا تعترض على أمر الله، فكله بما كسبت أيدينا ووقوعنا في المعاصي، فالله يفعل فينا ذلك رحمةً بنا، فالله لا يحاسبنا على كل المعاصي -فهو أكرم من ذلك- وإنما ببعضها تذكرةً لنا بأننا ضعفاء، فالإنسان ضعيف لا يقدر أن يمنع نفسه، وهو الذي يتعاظم على الناس ويقول: أنا قوي، فإذا شاكته شوكة عرف قدره، وعرف أنه ضعيف فتراه يصرخ من جراء ذلك، فالله العظيم سبحانه يقول: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وهذه قراءة الجمهور، وقرأ نافع وأبو جعفر، وابن عامر: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) بغير فاء.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن) إن الهم الذي يهمك ويضايقك لك أجر فيه من الله عز وجل إذا قلت: الحمد لله، ورضيت بقضاء الله وقدره، وعلمت أن ذلك بما كسبت يداك ووقوعك في المعاصي، فإن الله يجعل لك في ذلك أجراً، لكن لا تطلب من ربك أن يعاقبك على ذلك، ولكن اطلب رحمة الله سبحانه فهو يعفو عن كثير سبحانه وتعالى.
قال: (ولا هم ولا حزن ولا أذى) أوذي بكلمة ضايقته، أو مر في الطريق فأوذي وتقطعت ثيابه فحصل فيه جرح أو أذى، أو أصابه الغم أياماً وليالي، كل هذا تكفير لسيئات الإنسان، وزيادة حسنات عند الله سبحانه، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
جاء في حديث في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه دخل شباب من قريش عليها وهي بمنى وهم يضحكون -ولعلهم أقرباء للسيدة عائشة - فدخلوا عليها وهم يضحكون قالت: وما يضحككم.
قالوا: فلان خر على طنب فسطاط فكادت عينه أن تذهب، قالت عائشة: فلا تضحكوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة) فتضحك على ماذا؟ تضحك على المنظر الذي أمامك؟ ألا تعلم أن من وراء ذلك يكفر الله عنه سيئات.
إذاً: حقيقة هذا الأمر: أن الله يكتب له حسنات، فهل تضحك على أن الله يكتب له حسنات، وتضحك على أن الله يكفر عنه سيئات؟ لا تضحك على مثل ذلك، وإذا لم يتبين لك ذلك فلا تضحك على مصيبة أخيك، ولا تشمت بمصيبة أخيك فيعافيه الله ويبتليك.
ولذلك كانت السيدة عائشة كثيراً ما تتمثل ببيت واحد من العرب: فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا تذكر أن الدهر إذا أناخ بأرض قوم أو على قوم أناخ على أناس آخرين، وهذه عادة الإنسان في هذا الكون أن الله عز وجل يضعه ويرفعه، فإذا رأيت إنساناً قد وضعه الله فلا تشمت به؛ لأن الضر سيكون عليك بعد ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه).
قال تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ} [الشورى:31] ذكر الله لنا من خلق السموات والأرض وقدرته العظيمة الفائقة الباهرة، وهذا الخلق العظيم الذي يحيرنا نحن من خلق الله، فأين نفر من الله سبحانه؟ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) فأنت إذا هربت من الله إلى الله، ستهرب من الله إلى أين؟ إلى الله سبحانه، فارجعوا إلى ربكم وتوبوا إليه وأنيبوا، ارجعوا إلى ربكم ولا تفروا، فأين المفر من الله سبحانه وتعالى وهو القادر عليكم.
نسأل الله من فضله ورحمته إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.