جاء عن ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما ما يوضح معنى قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].
فقد روى البخاري عن طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قول الله تعالى: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، وكان من الجالسين سعيد بن جيبر من تلامذة ابن عباس رضي الله عنهما فقال: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس رضي الله عنه: عجلت -أي: استعجلت في الجواب- فالصحابي عبد الله بن عباس موجود، فلماذا يجيب التلميذ؟ فقال: عجلت، أي: ليس المعنى كذلك، ثم قال رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعله الله عز وجل وسطاً في قومه، فإن قريش جميعها أقرباء للنبي صلى الله عليه وسلم، هذا يلتقي معه في الجد الأول، وهذا في الجد الثاني، وهذا في الجد الرابع، وهذا في الجد السابع، فكل بطون قريش أقارب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم نسوا هذه القرابة، فمن هؤلاء من أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من لم يسلم، والذي لم يسلم آذى من أسلم، فقال لهم ربهم سبحانه وتعالى: راعوا القرابة التي بينكم، فهؤلاء المسلمون منكم وبينكم وبينهم قرابة، فلا أطلب منكم مالاً، وقد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اطلب من مالنا ما شئت، واطلب من نسائنا ما شئت، وإن كان بك مس من الجن أرسلنا الأطباء حتى نعذر فيك، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك، وقال: (إنما الذي أريده كلمة واحدة، قالوا: وأبيك عشراً، اطلب، أي: نحلف لك أن نعطيك عشر كلمات وليس كلمة واحدة، قال: (قولوا: لا إله إلا الله) قالوا: أما هذا فلا، فهم يعرفون أنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله سوف يتركون كل ما هم فيه، ويتوجهون إلى الله ويأخذون هذه الشريعة من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن غرورهم منعهم أن يقولوا: لا إله إلا الله، وحجتهم أنهم إذا قالوا كلمة التوحيد سيكونون أتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغر منهم سناً، فرفضوا أن يقولوا: لا إله إلا الله.
إذاً: أنتم رفضتم ذلك فلا تعذبوا المؤمنين، وراعوا القرابة التي بيننا، دعوني أدعو غيركم، ولا تقطعوا الأرحام، وكانت قريش من أكثر الناس صلة للرحم، وما قطعوا الرحم إلا عندما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى دين الله عز وجل، فبدءوا يقطعون الأرحام بسبب ذلك، ويعذب كافرهم مؤمنهم بذلك، فقال لهم ربهم: ولكن راعوا المودة في القربى، أن توادوني في قرابتي وفي أنفسكم، فكلكم بيني وبينكم قرابة، فلا يعذب بعضكم بعضاً، ولا يتشاجر بعضكم مع بعض.
إذاً: (إلا) هنا بمعنى: ولكن، أي: لا أسألكم عليه أجراً أصلاً، ولكن أطلب منكم مراعاة صلة الأرحام التي بيننا.