الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الشورى: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ * مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ} [الشورى:19 - 22].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن اسم من أسمائه وصفة من صفاته العظيمة وهي: صفة اللطف منه سبحانه وتعالى، ومن أسمائه اللطيف، قال سبحانه: ((اللَّهُ لَطِيفٌ))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) أي: عد هذه الأسماء، وعرف هذه الأسماء، وحفظها، وعرف معانيها، واستعمل هذه الأسماء في دعائه، فاختار الاسم المناسب للدعاء الذي يريده، فدعا ربه عز وجل به، وذكره به، فالله عز وجل يكشف عنه ما به ببركة استخدامه ذكر الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
وقوله: ((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ)) الله اللطيف سبحانه، واللطف فيه معنى البر منه سبحانه وتعالى، وفيه معنى اللطف والرفق بالعباد، والعلم الخفي بهم، ولننظر إلى آيات الله سبحانه وتعالى، فإنه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ))، وهم يؤذون النبي صلوات الله وسلامه عليه، والسورة مكية، وهم يبتعدون وينفرون الناس عنه، والله يلطف بهم، ويرزقهم ويعطيهم، ويمد لهم؛ لعلهم يرجعون إليه سبحانه وتعالى.
انظر إلى إبراهيم وهو يدعو ربه سبحانه: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:126] إبراهيم الخليل الذي اجتباه الله واصطفاه بني بيت الله الحرام، ودعا ربه: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة:127]، ودعا ربه سبحانه أن يجعل ذريته ذريةً مسلمة له سبحانه، وأن يرزق المسلمين من فضله سبحانه، فكان جواب الله عز وجل: {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ} [البقرة:126] فهو سبحانه وتعالى لا يمنع رزقه عن مؤمن ولا عن كافر، فقد يضيق على من يشاء ولا يمنعه، فكل إنسان خلقه الله خلق له رزقه معه، فرزق الله سوف يأتيك، ولو أنك تفر من رزقك كما تفر من موتك لأتاك رزقك كما يأتيك الموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأتاه رزقه كما يأتيه الموت).
وهذا من لطف الله سبحانه وتعالى بعباده، فالله لطيف بهم حفي بهم كريم بهم بر بهم يوصل إليهم أرزاقهم بشيء لطيف خفي، فلا يدري الإنسان حين يخرج من بيته ما الذي يحضره اليوم؟ وما الذي يرزقه الله اليوم؟ فإذا بالله يسبب أسباباً لطيفة خفية، حتى يصل إليه رزقه الذي قسم له، فهو سبحانه يرزق من يشاء من عباده ويمنع من يشاء بلطفه سبحانه؛ فقد تكون محتاجاً لشيء، وتجد ذلك الشيء أمامك، فتمد يدك لتأخذه فيضيع منك، ويأخذه غيرك؛ لأنه لم يقسم لك، فتحزن أنت في نفسك على أن هذا فاتك، ولكن الله لطيف بعباده سبحانه، علم الله بعلمه الخفي أنك لو أخذت هذا لضرك، فمنعه عنك، ومنع عنك الضرر الذي يكون من ورائه، فلا تدري أن الله سبحانه يعطيك بفضله سبحانه، ويمنعك بفضله وبعدله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه يتفضل عليك؛ فإذا به يمنع عنك شيئاً سيضرك بعد ذلك، وأنت لا تدري، وأنت تظن أنه نفع محض، والله يعلم أن هذا يؤذيك ويضرك في دينك ودنياك وأخراك فيحجب عنك ذلك ويمنعه بلطفه الخفي تبارك وتعالى.
إذاً: الله لطيف بر رفيق بعباده سبحانه في إيصال المنافع لهم، وفي صرف البلاء عنهم من وجه يلطف إدراكه، أي: يخفى إدراكه، فقد تدعو ربك: يا رب! أعطني، كذا يا رب! أعطني كذا، يا رب! أعطني كذا، وأنت مؤمل أن يعطيك، فيعطيك الله سبحانه، وقد تدعو ربك وتلجأ إليه سبحانه: يا رب! أعطني كذا، فلا يعطيك؛ لأنه يعلم أنه سوف ينزل بك بلاء لو أنك أخذت ذلك الشيء، فيصرفه عنك، ويرفع عنك ذلك البلاء، فأنت قد تدرك أن هذا لم يأتك، ولكن الله سبحانه قد صرف عنك بلاءً شديداً، لعله مرض ينزل بك، أو مصيبة تنزل بأحد ممن تحبهم، فيرفع الله عز وجل ذلك.