قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [فصلت:52] قوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي: أخبروني، أرأيتم: انظروا، يعني: انظروا إلى أنفسكم، وأخبروني عن حالكم في هذا الوقت.
و ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ))، يقرؤها نافع وأبو جعفر بالتسهيل، ويقرؤها ورش بالمد الطويل، فإذا وصل ورش فيها يقول: (قُلْ أَرَاَيْتُمْوآ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّه)، ويقرؤها الكسائي: (قُلْ أَرََيْتُمْ) بهمزة واحدة.
قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} [فصلت:52] أي: كيف يكون حالكم؟ يعني: فالإنسان لا بد أن يفكر في هذا الأمر، فيا أيها المشركون المعرضون عن الله سبحانه! أخبروني عن حالكم إذا كان هذا حقاً من عند الله وأنتم كافرون به، ماذا يكون ظنكم في الله سبحانه وتعالى؟ فلقد زعمتم أنه ليس من عند الله وقلتم: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] وهذا فرض منكم، فافترضوا أنه حقيقة من عند الله، فماذا يكون حالكم إذا قابلتم ربكم سبحانه؟ {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [فصلت:52] أي: من أشد ضلالاً من هذا الذي في شقاق بعيد، وشقاق: مأخوذ من الشق وهو الجانب، فجانب الدين في مكان وهم في شق آخر بعيدين عنه، فإذا كان هذا الشق يتسع ويبعد إلى ما لا نهاية، فإنه لن يرجع، ولا يتوقع لهذا الذي سار في شق بعيد أن يرجع إلى الحق في يوم من الأيام، فمن أضل من هذا الذي عرف طريق الله فأخذ طريقاً سواه، وسار فيه في بعد بعيد إلى أن هوى في النار والعياذ بالله، فمن أضل من هذا؟!
و صلى الله عليه وسلم لا أحد أضل من هذا الذي هو في شقاق بعيد، وفي بعد عن دين الله سبحانه وتعالى، وهو محارب ومعاد لله ولرسوله وللمؤمنين.