تفسير قوله تعالى: (من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها)

قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] أي: إن العبد هو المستفيد من عمل نفسه، أما الله فلا يستفيد من عمل عبده شيئاً، إذ أن العبد مخلوق فقير بطبعه وبذاته وبأصل خلقته، والله الغني الحميد سبحانه تبارك وتعالى، فمهما عمل العبد من عبادة فإنه هو المنتفع بها في النهاية، ولن ينتفع الله عز وجل بشيءٍ منها؛ لأن الله غني لا يحتاج إليك ولا إلى عملك، وإنما خلقك لينفعك أنت، فأنت المنتفع أولاً وآخراً، وإذا عصى العبد ربه سبحانه لم يضر الله شيئاً بعصيانه؛ لأنه لا يبلغ أن يملك الضر لنفسه فكيف يضر ربه سبحانه؟! ولذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال رب العزة سبحانه: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

والله لا يظلم أحداً قال سبحانه: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49]، وقال أيضاً: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]، وكررها في مواضع أخر من القرآن، فالله سبحانه لا يظلم أحداً شيئاً، أما الإنسان فتراه يظلم غيره بأخذ ما في يده أو غيرها من صور الظلم، وذلك بسبب الطمع في الدنيا، فمن أراد منصباً في الدنيا أو ذرية أو امرأة أو مالاً وغيرها من مطامع الدنيا تجاسر ليأخذ ما في يد الغير، ويقع من الإنسان هذا الظلم؛ لأنه محتاج إلى هذه الأشياء وغيرها من أسباب الدنيا، أما الله عز وجل فإنه غني عن ذلك فكيف يظلم وهو يملك كل شيء سبحانه تبارك وتعالى؟! وفي الحديث أخبر الله عز وجل أنه حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، وأخبرهم أنهم لو اجتمعوا جميعهم وسألوا الله سبحانه تبارك وتعالى، فسأل كل مسألته، فأعطى الله الجميع، ما أنقص ذلك من ملك الله شيئاً! قال في الحديث: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط -الإبرة- إذا أدخل البحر).

فالله سبحانه تبارك وتعالى غني، وغناه عظيم جداً، فلو أن كل خلق الله عز وجل سألوا الله كل ما يتمناه كل واحد منهم، فأعطى الله الجميع مسائلهم، لما نقص ذلك مما عند الله إلا كما تضع إبرة في البحر، وانظر ما تخرج هذه الإبرة من ماء البحر! ثم يقول سبحانه لعباده: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني)، ومن ذا الذي يبلغ نفع الله لينفع الله أو يبلغ ضر الله فيضر الله؟! إن الله هو القوي القادر الغالب، وهو الغني الحميد سبحانه تبارك وتعالى، يجازي العباد بأعمالهم إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت:46] أي: هو المنتفع بعمله، فهو من يدخل الجنة، فمنفعة عمله تعود لنفسه، وكذا إساءته قال تعالى: {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] أي: أنه يعذب في النار بسبب إساءته، فهو يستحق هذا العذاب ولم يظلمه ربه سبحانه تبارك وتعالى شيئاً؛ لأنه هو الذي أودى بنفسه إلى ذلك فاستحق العذاب بسبب ما اقترفت يداه، لا أن ربه ظلمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015