الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت:3 - 4].
في هذه الآيات يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى أن هذا القرآن العظيم نزل من عنده، وهو أرحم الراحمين سبحانه، وأنه كتاب فصلت آياته، أي: بينت ووزعت هذه الآيات، ونزلت منجمة على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما يحتاج إليه الخلق.
فأنزل الله سبحانه هذا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، وبين في آياته الأحكام والأوامر والنواهي والمواعظ وقصص السابقين وما يكون في يوم الدين.
وبين للناس شريعة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الشريعة الكاملة الخاتمة التي أكمل الله عز وجل بها هذا الدين العظيم ورضيه للمؤمنين، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
قال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [فصلت:3] أي: نزل من عند الله عز وجل كتاباً مقروءاً مجموعاً إلى السماء الدنيا ثم نزلت الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم والسور بحسب الحوادث خلال ثلاثة وعشرين سنة، وهذا القرآن قرآن عربي نزل بلغة العرب.
وقد ادعى المشركون أن رجلاً من اليمامة يقال له: رحمن اليمامة، هو الذي يعلمه صلى الله عليه وسلم، وكان رجلاً أعجمياً.
فعجب الله عز وجل من أمر هؤلاء! فلو نزل القرآن بلسان العجم لقالوا: لماذا لم يأت بلغتنا؟ فقال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:3] أي: أنزل هذا القرآن باللسان العربي الذي هو أشرف لسان وأشرف اللغات وأعلاها وأفصحها وأجملها، فاللغة العربية استوعبت هذا القرآن العظيم، وأنزل الله سبحانه القرآن أعظم كتبه وأشرف الكتب بأشرف اللغات وهي اللغة العربية على أشرف الخلق النبي صلى الله عليه وسلم بسفارة أشرف الملائكة جبريل عليه السلام في أشرف بقاع الأرض وهي مكة في أشرف الأشهر والأزمنة في شهر رمضان.
فكان القرآن في نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم الشيء العظيم الذي أكرم الله عز وجل به هذه الأمة، فكانوا يزدادون شرفاً فوق شرف بهذا الكتاب الذي جعله الله سبحانه وتعالى لخلقه شريعة ومنهاجاً.
قال الله سبحانه: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:3] وذكر الله سبحانه في سورة يوسف: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2] أي: لعلكم تفهمون عن الله سبحانه وتعالى ما يريده بكم من خير وتعقلون هذه الشريعة العظيمة التي جاءتكم بلسانكم فتفهمون حدود الله سبحانه وأصول هذا الدين وفروعه.
فإذا عقلتم ذلك وفهمتموه ازدادت عقولكم وازدادت أفهامكم، ونور الله عز وجل بهذا القرآن قلوبكم، فأثمر بذلك عمل الجوارح فعملتم لتستحقوا أن تكونوا من أهل الجنة بانقيادكم إلى الله سبحانه وتعالى.
وهنا أخبر أنه نزل بهذا اللسان العربي لقوم يعلمون، أي: يعلمون أن هذا القرآن لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه، وإنما نزل من عند رب العالمين سبحانه وتعالى.
لقوم يعلمون فيفهمون أنه لا يستحق أن يعبد إلا الله الذي اعترفوا به أنه الخالق وحده.
ولقوم يعلمون أن هذا القرآن أعجزهم فلم يقدروا أن يأتوا بقرآن مثله، ولا بعشر سور مثله مفتريات ولا حتى بسورة واحدة.