تفسير قوله تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)

قال الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

قوله: ((لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)) يعني: لا يسأله أحد من الخلق: لم فعلت هذا الشيء؟ فمن سأل الله عن شيء لم فعلته؟ فقد رد حكم الله، كأنه يرفض أن ربنا يقول له: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) فيقول: لا، أنا سأسأل، وهذا الذي يسأل ويتعنت ويعترض على قضاء الله وقدره مصيره النار.

قال: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) وهنا تظهر عظمة ربنا سبحانه وتعالى، فقد أمر بالإيمان بالقضاء والقدر، الذي أذل به الرقاب، وأعجز عن معرفته جميع خلقه، لا أحد يعرف شيئاً عن قضاء الله وقدره، حتى يحقق الله عز وجل ما يريده، فالمؤمن يؤمن بالقضاء والقدر.

قوله: (وَهُمْ يُسْأَلُونَ) لم تفعلون هذا الشيء؟ أي: إذا فعل الله الشيء فلا أحد يقدر أن يسأل الله سبحانه وتعالى على ما فعل، أما هم فيسألون ويجازون على ما فعلوا من خير أو شر؛ لأن الملك لله وهو الإله الحق سبحانه وتعالى.

ذهب رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكأنه من القدرية الذين يتكلمون في القضاء والقدر، فقال له: يا أمير المؤمنين، أيحب ربنا أن يعصى؟ هذا سؤال مغلف، فهو أراد أن يقول: لماذا ربنا ترك عباده يعصونه؟ وكأنه يريد أن يقول: طالما أن ربنا تركهم يعصونه فهو يريد هذا، وهم مثابون حتى في المعصية التي يفعلونها، فالرجل سأل علياً رضي الله عنه وقال: أيحب ربنا أن يعصى؟ فماذا أجاب عليه رضي الله عنه؟ قال له: أفيعصى ربنا قهراً؟ هنا سؤال بسؤال والجواب واضح فيه.

وأيضاً: ربنا سبحانه وتعالى خلق الكفر وخلق الإيمان، فهل خلق الكفر لأنه يحبه؟

صلى الله عليه وسلم لا، الله يكره الكفر ولكن أراده، والإرادة يدخل فيها ما يحبه وما لا يحبه، فخلق المؤمن ويحب المؤمنين، وخلق الكافر ويبغض الكافرين.

فالله عز وجل خلق الكفر وخلق الإيمان، وخلق المعصية وخلق الطاعة، وخلق الخير وخلق الشر، الله خالق كل شيء سبحانه وتعالى، وهو في خلقه محمود على ما يخلق سبحانه وتعالى، وفي كل شيء من خلقه آية من آياته سبحانه وتعالى، ووجودها حتمي؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرادها.

فهذا الرجل سأل علياً رضي الله عنه: أيحب ربنا أن يعصى؟ فقال له علي رضي الله عنه: أفيعصى ربنا قهراً؟ يعني: ربنا لا يعصيه أحد غصباً عنه، ولا يغلبه أحد، لكن ربنا أراد أن توجد هذه المعصية، وأراد أن يوجد الكفر وأن يوجد الإيمان، ولكن القدرية يقولون: نحن نخلق أفعالنا.

فقال له الرجل: أرأيت إن منعني الله الهدى، ومنحني الردى، أأحسن إلي أم أساء؟ يعني: يقول له: إذا كان ربنا هو الذي منعني الهدى وجعلني ضالاً، فلماذا يعذبني؟ كذلك إن أعطاني الردى والضلال والكفر وأهلكني أأحسن إلي أم أساء؟ حاشا لله سبحانه وتعالى! فكان جواب علي رضي الله عنه أن قال: إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله فهو له يؤتيه من يشاء سبحانه وتعالى.

فالإنسان الذي يجادل ويضيع وقته سيلاقي من يجيبه كما أجاب علي رضي الله تعالى عنه هذا الإنسان وغيره، ولكن على الإنسان المؤمن أن يعرف أن العمر محسوب، وأن القضاء والقدر مكتوب، وأنه مأمور أن يؤمن بذلك ولا يقع في الذنوب، ولا يضيع وقته في الجدل ويقول: لماذا ربنا خلق؟ لماذا ربنا فعل؟ لا يسأل عن ذلك، فهنا الآية الدامغة المانعة من المحادة: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015