قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35] أي: هؤلاء المسرفون وهؤلاء المرتابون الذين يجادلون بغير بينة، وإنما يجادلون للجدل فقط، ولذلك الشياطين توحي إلى هؤلاء بأن جادلوا المؤمنين حتى يرجعوا عن دينهم وحتى يتكلموا بالباطل، فهذا الإنسان المبطل يفرح بما يقول، فهو يجادل للجدل فقط، فتراه يقول لك: أنا ناظرت فلاناً وغلبته، وناظرت فلاناً فلم يعرف أن يرد علي! تجده يفرح بما يقول، حتى لو كان ما يقوله كلاماً ساقطاً باطلاً فهو معجب بما يقوله، قال عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، فهؤلاء المجادلون في آيات الله بغير حجة وبغير بينة وبغير دليل أتاهم به الله سبحانه يضلهم الله؛ فهم المسرفون المرتابون.
قال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:35] أي: صار شيئاً كبيراً عظيماً فاحشاً عند الله وعند المؤمنين أن يجادل إنسان بالباطل في دين الله سبحانه، وكبر مقت وغضب الله عز وجل على صاحبه، ويبغضه أشد البغض، فالمقت أعظم الكراهية، والمبغوض والمكروه عند الله سبحانه وتعالى وكذلك عند المؤمنين من يجادل بغير حجة وبغير بينة.
وقوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35] هذه قراءة الجمهور، وقرأها أبو عمرو وابن عامر: (على كل قلبٍ متكبرٍ جبار) أي: الذي طبع على قلوب من قبله وجنوده وملئه سيطبع على قلوبهم، وكذلك كل إنسان يتكبر على دين الله سبحانه، ويتكبر على رسل الله، ويتكبر على من يدعوه إلى الله سبحانه وتعالى يصير جباراً قاسي القلب صلباً عنيفاً قاسياً؛ لأن الله عز وجل يطبع على قلبه، فقوله: ((كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)) كأن المعنى على قراءة الجمهور: يطبع الله على قلوب الجبارين جميعهم قلباً قلباً، كل واحد يختم الله عز وجل على قلبه فلا يفقه ولا يفهم ولا يعي ما يقول، فإذا به يهرف بما لا يعرف، ويتكلم ويخوض فيما لا يعنيه، فيجادل في الله وفي آيات الله وفي رسل الله عليهم الصلاة والسلام بغير بينة.
أما القراءة الأخرى وهي قراءة ابن عامر وقراءة أبي عمرو: ((كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)) فيكون المعني: أن صفة هذه القلوب الاستكبار والتجبر، فيطبع الله عز وجل على كل قلب صفته أنه متكبر وجبار، وصفة القلب هذه هي صفة لصاحبها، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، ألا وهي القلب)، فقلب الإنسان إذا كان صالحاً حكم بالصلاح على جميع الإنسان، وإذا كان فاسداً حكم بالفساد على الجميع، فالقلب هو الملك والأعضاء الرعية، فإذا صلح الملك صلحت الرعية، وإذا فسد الملك فسدت الرعية، هذا هو المعنى الثاني على القراءة الثانية.