ولذلك فإن ربنا أمرنا بأن نعبده فعصيناه، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فقلنا: منطق القوة كان زمان الاستعمار، ونحن في هذا الوقت في حرية ومساواة وعدالة وتنوير وكذب وضلال وبعد عن ربنا سبحانه وتعالى، ففجر الكثيرون من المسلمين، وتركوا دينهم وراءهم ظهرياً، وحاربوا ربهم سبحانه وتعالى، فاستحقوا الضلالة التي هم فيها، واستحقوا سخط الله سبحانه وتعالى.
والمسلمون يحاربون ربهم بأفعالهم المخالفة، فترى النساء العاريات يحاربن الله سبحانه وتعالى، فإذا قلت لعارية منهن: اتقي الله، قالت لك: وأنت ما لك؟! هذا شأني وليس لك دخل بي! فتحارب ربها جهاراً نهاراً وتأبى أن تطيع الله سبحانه وتعالى، وإذا قلت لرجل: كيف تترك ابنتك عريانة هكذا؟ رد عليك: وأنت ما لك، اتركها حرة فإنها لا تزال صغيرة، يا أخي! أنتم تريدون أن تكتفوهن وتدخلوهن داخل الخيمة وتلبسوهن النقاب، وتعملوا لهن كذا وكذا فهؤلاء لا يستحقون النصر أبداً، ولا يستحقون إلا ما فعله الله ببني إسرائيل، الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة، فسلط بني إسرائيل على المسلمين، فإذا بهم يدوسونهم بالأقدام في كل مكان في العالم.
فإسرائيل تعلن للعالم أن الذي يتكلم عن اليهود فإنه يحارب السامية، ومن فعل ذلك فوفقاً للقانون أنه يسجن، أما هم فيتكلمون ويتبجحون والمسلمون قد أخرسوا وسكتوا؛ لأنهم حاربوا ربهم سبحانه؛ ولأنهم كذبوا على الله، وأكلوا السحت، وانتشر بينهم الفساد، وانتشرت فيهم الأخلاق الكاذبة، ولا يقبل أحدهم أن ينصح في الله أو يقبل النصيحة، فمن أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر يقول الناس عنه: فلان رمى بنفسه إلى المخاطر! فمنطقهم: أنا في حالي وأنت في حالك، واترك الإجرام ينتشر، والزنا يكثر، والفواحش تملأ الدنيا، وليس لك دخل في ذلك! فكان منطقهم مثل منطق فرعون لما قال لقومه: ما أريكم إلا ما أرى، فأنا على الحق، وأنا المبصر وأنتم العميان، فقال لهم كما قص الله ذلك {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51]، أي: أليس أنا الملك؟ فهذه الأنهار التي تجري من تحتي هي من عملي، أفلا أستحق أن أكون رباً؟ فيجيب قومه: بلى أنت الرب، قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54] أي: لعب بعقولهم الخفيفة، ويبدو أن هذه كانت طبيعة المصريين في الماضي، وأن الذي يملكهم فإنه يقنعهم بمنطق العصا، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]، ومعنى فاسقين: خارجين عن دين الله وطاعته سبحانه وتعالى.
وفرعون قال لقومه لما ناقشه الرجل المؤمن بالبينات وبالمنطق وبالعقل: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]، أي: أنا وحدي فقط الذي أعرف سبيل الحق والرشاد! وموسى لا يعرفه ولا غيره، فأنا الذي أهديكم إلى الحق، فاعبدوني، والعياذ بالله!