تفسير قوله تعالى: (وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين)

يقول الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] وهذا كقوله تعالى: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} [النجم:57] أي: اقتربت الساعة، وهي القيامة، وأزف الشيء بمعنى: قرب، والقيامة قريبة، قال الله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63] والساعة آتية، وكل شيء وعد الله سبحانه أنه سيأتي لا بد وأن يأتي، وطالما أنه سيأتي فهو قريب، فسماها الله عز وجل: آزفة، أي: قريبة، فقوله: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ) أي: يوم القيامة الذي سيكون قريباً.

(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ) وهذه حالة لا تكون في الدنيا أبداً، فالإنسان قد يفزع في الدنيا، ويحس أن قلبه سوف يطلع من مكانه، لكنه لا يطلع من مكانه، أما في يوم القيامة فإنه يطلع من مكانه، ويصل إلى الحنجرة، فالقلوب تثب من مكانها إلى الحناجر من شدة الهلع والخوف والجزع والرعب.

والحنجرة: هي العظمة الموجودة في الجزء البارز في الرقبة الذي نسميه: تفاحة آدم، ففي يوم القيامة يثب القلب من مكانه يريد أن يخرج حتى يموت هذا الإنسان من رعبه.

وقوله: (كَاظِمِينَ) أي: كاتمين على أنفسهم، فأرواحهم تريد أن تطلع، وقلوبهم تكاد أن تخرج من أفواههم، ولا قدرة لهم على إرجاعها، وهذا مشهد صعب شديد! قال الله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) في الدنيا قد يجد الظالم لنفسه أعواناً، فيظلم ويأتي بالرجال ليعينوه، أما يوم القيامة فلا يوجد من يعينه، (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) والحميم: هو الصديق والقريب والمحب، وفلان حميم لفلان أي: بينهم علاقة حميمة وصداقة عظيمة.

فلا يوجد في ذلك اليوم للظالمين من يشفق عليهم أو يشفع لهم أو يدافع عنهم كما كانوا في الدنيا، ففي يوم القيامة لا أحد يقف بجوار الآخر فيشفع له، إلا حين يفتح الله عز وجل باب الشفاعة، وأول من يبدأ بها نبينا صلى الله عليه وسلم يشفع عند ربه ليقضي بين العباد.

فقوله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) أي: ليس للظالم حميم ينفعه، ولا شفيع يطاع فيسمع كلامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015