قال تعالى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر:2] أي: هذا الكتاب العظيم نزل من الله ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه، ومن أجلنا نزل هذا الكتاب من عند الله سبحانه الذي سمى نفسه بهذه الأسماء العظيمة، فالله هو العزيز، وهو العليم، وهو غافر الذنب، وهو قابل التوب، وهو شديد العقاب، وهو ذو الطول لا إله إلا هو إليه المصير، فهذا سبعة أسماء لله عز وجل تشتمل على صفاته سبحانه وتعالى، وقد جمعت في هاتين الآيتين في سياق جميل لطيف، وسياق متناسق، وبترتيب عظيم تقرؤه وتجد فيه نغمة في قراءتك له، وتجد فيها سهولة في النطق بها، ولو قدمت بعضها على بعضها فلن تجد فيها السهولة التي تجدها في ترتيب الله عز وجل لهذه الأسماء الحسنى.
{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ} [غافر:2] أي: الغالب، وفيه إشارة إلى أنك لا تغالب ربك سبحانه؛ فإنه يغلبك سبحانه وتعالى، فمهما تحدى الإنسان ربه فلا بد وأن يهلكه ويقهره الله سبحانه، فهو العزيز الغالب الذي لا يقهر سبحانه وتعالى، والذي لا يمانع، والذين إذا قال للشيء: كن فلا بد أن يكون ما أراده سبحانه.
{مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر:2]، وهذه من أسمائه الحسنى، فالله لفظ الجلالة، ومعناه: المتفرد بأن يعبد وحده لا شريك له، والمستحق للألوهية وحده لا شريك له، و (الْعَزِيزِ) هو الغالب سبحانه وتعالى، فهو غافر الذنب، وهو قابل التوب، وهو شديد العقاب، وهو ذو الطول، (غَافِرِ الذَّنْبِ)، فهو يتفضل على عباده بأن يغفر لهم ذنوبهم، (قَابِلِ التَّوْبِ)، وعد من الله عز وجل أنه يقبل توبة من يتوب إليه سبحانه، (شَدِيدِ الْعِقَابِ)، عدلاً منه سبحانه، فمن عاقبه الله فلم يعاقبه ظلماً، وإنما بعدله سبحانه وتعالى، {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3] أي: هو وحده الذي يستحق العبادة وإليه المرجع سبحانه.
وأسماؤه عظيمة: الله، العزيز، العليم سبحانه، وهذه من أسماء الله الحسنى، والإنسان المؤمن عندما يذكر اسماً من أسماء الله فليفهم هذا الاسم، وليستعمل هذا الاسم في الدعاء في حاجته إلى ربه سبحانه وتعالى.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)، والله عز وجل له أسماء كثيرة جداً سبحانه منها ما نعلمه، ومنها ما لا نعلمه، ومن هذه الأسماء تسعة وتسعون اسماً (من أحصاها)، أي: من حفظها وفهم معانيها واستخدمها ودعا الله عز وجل بها، وآمن بها، فإنه يدخل الجنة.
فالعزيز هو الغالب، فتعلم أنه غالب فلا تغالب ربك سبحانه، فترضى بقضائه وقدره، وتسلم له سبحانه، والعليم هو علام الغيوب، فهو يعلم كل شيء، ما كان وما سيكون، بل ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فالشيء الذي لم يوجد يعلم الله عز وجل لو وجد كيف سيكون، فيعلم كل شيء، فهو علام الغيوب، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما يخفيه الإنسان في قلبه، ويعلم نية الإنسان، ويعلم ما لم ينوِ الإنسان بعد، وماذا سيكون غداً.