قال تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج:33] أي: في هذه المناسك منافع، منها: سوقكم الهدي إلى البيت، فلكم فيها منافع إلى أجل مسمى، فالإنسان الذي يسوق الهدي من إبل، أو من بقر، أو من أغنام، فهذا دليل تقوى قلبه، فإنه إنما يسوقها معظماً لشعائر الله سبحانه، وله أن ينتفع بها، فيأخذ من لبنها ما يحتاج إلى شربه، ويركب عليها إذا احتاج إلى ذلك حتى يصل بها إلى مكان نحرها وذبحها.
فقال سبحانه: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج:33] أي: في البدن التي تساق إلى بيت الله الحرام، من الركوب، ومن الدر، ومن النسل، ومن الصوف وغير ذلك مما يحتاج إليه حتى يصل بها إلى بيت الله الحرام.
وجاء في الصحيح من حديث أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة) يعني: أنه رآه يسوق جملاً أو ناقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبها)؛ لأن الرجل ناله جهد، ونالته مشقة شديدة، ومع ذلك فهو من تعظيمه لهذه الشعيرة يمشي خلف ناقته ولا يريد أن يركبها، وقد أنهكه التعب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مشفقاً عليه: (اركبها)، فهذه من ضمن المنافع، فقال الرجل: (إنها بدنة) يعني: هذا هدي لبيت الله الحرام، فكيف أركبه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبها)، فأذن له بذلك، فقال الرجل: إنها بدنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ويلك أو ويحك اركبها)، فأمره بركوبها، وهذا دليل على أن الإنسان إذا احتاج لركوب البدنة ركبها، وإن احتاج لصوفها، أو إلى شرب لبنها، فله أن ينتفع بها إلى أن يصل إلى بيت الله الحرام.
وقد جاء في الحديث الآخر في صحيح مسلم قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً) يعني: إن احتجت إلى ذلك، وتعبت ومعك الجمل الذي أنت ذاهب به إلى بيت الله الحرام لتنحره هنالك، فلك أن تركبه بالمعروف إذا كنت محتاجاً، وأما إذا لم تكن محتاجاً فلا داعي للركوب.
قال سبحانه: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:33]، والأجل المسمى: يوم الذبح، وأما قبل ذلك فلكم فيها منافع.