قال تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] أي: كونوا حنفاء مستقيمين على دين الله، مسلمين لله، مائلين عن الباطل إلى الحق، كما ذكرنا في الحديث السابق أنها من ألفاظ الأضداد، يعني: أنها تطلق على المعنى وعلى ضده فأصلها من الحنف، والحنف: الميل، وهنا المقصود منها: الاستقامة، يعني: البعد والميل عن الباطل، والاستقامة على الحق.
قال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] أي: أن الإنسان المشرك بالله سبحانه وتعالى يوم القيامة هو بمنزلة من لا يملك لنفسه شيئاً، وهو في الدنيا قد يظن أنه يملك شيئاً، ولكنه يوم القيامة لا يملك أي شيء، وحاله كطير خر من السماء، أو كشيء وقع من السماء، فإذا بالطيور الجوارح تأتي عليه وتتخطفه من كل مكان، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يدفع عن نفسه ضرراً ولا عذاباً.
وقوله تعالى: {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج:31] بالتخفيف قراءة الجمهور، وقراءة المدنيين نافع وأبي جعفر: (فتخطَّفه الطير) بتشديد الطاء، يعني: أنها تأخذ منه وتقطعه بمخالبها، وقيل: إن هذا يكون عند خروج روحه، فالإنسان الكافر وكذلك الفاجر تخرج روحه بصعوبة وبشدة، وتتمزق والملائكة يخرجونها من داخله، وبعد ذلك يصعدون بها إلى السماء، فإذا استفتحوا بروحه السماء لم يفتح له، فتلقى من السماء، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنها تلقى من السماء، وتلا هذه الآية: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31])، (تهوي) يعني: تسقط به الريح، (في مكان سحيق) أي: مكان بعيد كأن الريح طارت به وأوقعته في جب عميق بعيد قعره.
قال سبحانه تبارك وتعالى: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] المعنى: أن الإنسان المشرك بالله له عذاب عظيم جداً، لا يقدر أن يدفع عن نفسه هذا العذاب، كما لا يقدر الذي خر من السماء وتناوشته الطير وتخطفته أن يدافع عن نفسه.