قال سبحانه: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55] حين يأتي العذاب من الله سبحانه لا ينصرك أحد، فأردف تلك الأوامر بالعودة إلى الله والرجوع إليه بما يؤكدها فقال: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55] إن الله قد أنزل من السماء كتباً كثيرة، فأنزل التوراة، وأنزل الإنجيل، وأنزل الزبور، وكان أحسن ما نزل من عنده سبحانه القران العظيم، فأمر باتباع هذا القرآن الذي نسخ الشرائع التي كانت قبله كلها، وهو الكتاب الخاتم.
وقوله سبحانه: {مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55] تذكير بالربوبية فلم يقل: من إلهكم؛ لأن إلوهية الله تتجلى عندما يأمر بعبادته، أما الربوبية فيذكرها عندما يذكر صفاته سبحانه تبارك وتعالى، أو أفعاله سبحانه تبارك وتعالى، وبما أنه خلق فهو الذي يُشِّرِع، وهو الذي يحكم سبحانه، إذ إنه هو الرب سبحانه تبارك وتعالى، ومن مقتضيات ربوبيته: أنه يعلم ما في خلقه، وما يحتاجون إليه، وما الذي يصلح حالهم، فينزل شريعة من السماء تتناسب مع ما يصلحهم، فكان القرآن العظيم هو ما اختاره لنا وأمرنا باتباعه فقال: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55]، كما أن الذي خلقكم والذي يشرع لكم ما تنتفعون به يعلم سركم وجهركم قال سبحانه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].
وكسابقتها من الآيات فقد أردفها بالوعيد والتهديد فقال سبحانه: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً} [الزمر:55] فقد ذكر في الآية الأولى قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54] أي أنه إذا جاء العذاب فلا يستطيع أحد أن ينتصر من الله سبحانه، ولا أن يغالب ربه سبحانه.
وفي الثانية ذكر أنه إذا جاء العذاب فجأة، أي: أنك لا تشعر إلا والعذاب نازل عليك فقال سبحانه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً} [الزمر:55] أي: فجأة، {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا} [الزمر:55 - 56] أي: حين ينزل العذاب يصيح المفرط والجاحد: {يَا حَسْرَتَا} والمعنى: احضري يا مصيبتي! أو يا تحسري! ولا ينفعهم التحسر إذا نزل العذاب من عند رب العالمين.