تفسير قوله تعالى: (فإذا مس الإنسان ضر دعانا)

قال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:49]، فالله عز وجل بعد أن يخلق الإنسان يرزقه، ويعطيه من الدنيا ما يشاءه سبحانه تبارك وتعالى، ويبين له طريقه إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، عله أن يشعر بنعم الله عز وجل عليه ليل نهار، ومع ذلك ينسى شكر هذه النعم من الله سبحانه، فإذا مسه شيء من الظلم لجأ إلى ربه، فدعاه رافعاً يديه: يا رب! يا رب! وكلما استشعر الإنسان أنه ضعيف وأنه عاجز، أو استشعر أنه مريض لجأ إلى الله، وناداه: يا رب! يا رب! ونحن نرى الطلاب عندما يدنوا الامتحان يسعون إلى المساجد، فتجد أحدهم يصلي الفجر، ويلهج بالدعاء: يا رب! ويطلب النجاح، فإذا ظهرت النتيجة ونجح نسى ذلك كله! وعاد إلى تضييع الصلاة، كذلك المرء عندما يبحث عن وظيفة يصلي استخارة، ويصلي للحاجة، ويدعوا ربه قائلاً: يا رب! يا رب! فإذا قبل في العمل نسى ربه سبحانه تبارك وتعالى! فكلما احتاج الإنسان إلى ربه وغلب على ظنه أنه الآن محتاج وأنه فقير إلى الله يتذكر ويرجع إلى الله ويقول: يا رب! يا رب! قال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ} [الزمر:49] أي: إذا أصابه شيء من مصائب الدنيا وما يتضرر ويتأذى به، أو يسهر من أجله، أو يبحث عن الدواء من أجل ذلك، يفزع إلى الله وينادي: يا رب! يا رب! وقوله سبحانه: {دَعَانَا} [الزمر:49] أي: دعا ربه سبحانه، ثم قال سبحانه: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ} [الزمر:49] والتخويل بمعنى: التمليك، أي: ملكناه، وأعطيناه شيئاً من هذه الدنيا قال سبحانه: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا} [الزمر:49]، ونسب الله النعمة إلى نفسه، فهو صاحب جميع النعم سبحانه تبارك وتعالى، إلا أنه بعد أن ينعم على هذا الإنسان يغتر بنفسه ويتكبر وينسب النعمة إلى نفسه، قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} [الزمر:49] والإنسان عندما يذكر بالله سبحانه ونعمه عليه ويقال له: من الذي علمك إلا الله؟ ومن الذي أعطاك المال إلا الله؟ يجيب قائلاً: إن الله ما أعطاني إلا لأني أستحق ذلك، غروراً منه! فيرى نفسه مستحقاً، ويقول أيضاً: لو لم أكن مستحقاً لم يعطني الله، أو يقول: لو لم أكن ذكياً لم أتفوق، ولو لم أكن قادراً على الكسب والعمل لم يعطني الله سبحانه، فكان قوله هذا رجوعاً إلى الكفر مرة أخرى.

وفي الآية يذكر الله عز وجل غرور هذا الإنسان، وكفره لنعمه ربه بعد أن دعاه في وقت الضر قال تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} [الزمر:49]، وقوله: (على علم) محتملة لعدة معاني وكلها صحيحة، منها: أن ينسب العلم لنفسه، كأنه يقول: على علم مني؛ لأنني تعلمت، أو كوني تعلمت ولدي خبرة في الدنيا، ولأجل ذلك استطعت أن أكسب، وهو بذلك ينسى الله سبحانه تبارك وتعالى، وقد يكون المعنى: إنما أوتيته على علم من الله، أنني أستحق ذلك، ولأجل استحقاقي أعطاني، وقد كان الكفار المجرمون ومن على شاكلتهم يتطاولون على المؤمنين، ويقولون: أنتم تقولون: هناك جنة ونار! وتقولون: إننا سنبعث يوم القيامة، أليس الله قد أعطانا في الدنيا ومنعكم، وما ذاك إلا أننا أفضل منكم، وكذلك إذا بعثنا يوم القيامة فسيعطينا الله أفضل منكم! وهم بقولهم ذاك قد قاسوا الآخرة على الدنيا، وكأنهم يرون أن الله أعطاهم لكونهم يستحقون ذلك، ونسوا أن الله يملي للكافرين قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183].

ثم أضرب عن قوله: إنما أوتيته على علم، فقال تعالى: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} [الزمر:49] أي: ما هم فيه من نعم إنما هي فتنة فتنهم الله سبحانه تبارك وتعالى بها، ومن معاني الفتنة: الاختبار، فالمعنى: اختبرهم فرسبوا في الاختبار.

ثم قال سبحانه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:49] أي: لا يعلمون أن هذا استدراج من الله لهم، وأن هذا امتحان وأنهم رسبوا فيه، وأنهم إلى النار سائرون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015