الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر:17].
أخبر الله سبحانه وتعالى عن حال الكفار وعبادتهم غير الله سبحانه وتعالى، فاستحقوا الخسران المبين يوم القيامة، فخسروا أنفسهم وأهليهم، ودخلوا النار فكانوا وحدهم فيها، لا أهل لهم، لا مال لهم، لا ولد لهم، فقد خسروا كل شيء، خسروا حتى أنفسهم، فذلك هو الخسران المبين.
والنار كما ذكرنا دركات بعضها أسفل بعض، قال تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر:16]، فوقهم أطباق من النار، وتحتهم أطباق من النار، ووصف الله عز وجل هذه النار بأنها الحطمة التي يحطم بعضها بعضاً، وأنها نار السعير الملتهبة المشتعلة، {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ} [الهمزة:7 - 8]، فهذه نار جهنم موصدة عليهم، ولو كانت مفتوحة ما قدروا أن يهربوا منها، ولكن زيادة في التنكيد والتنكيل والعذاب قال: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:8 - 9] أي: هناك عمد ممددة على أبوابها فلا تفتح لهم أبوابها أبداً والعياذ بالله.
ثم بعد ذلك أخبر الله عن المؤمنين وحالهم في الدنيا فقال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} القرآن يرهب ويرغب، ويخوف ويطمئن، وينذر ويبشر، فلما أخبر عن حال الكفار أهل النار أخبر عن حال المؤمنين الأبرار الذين اجتنبوا عبادة غير الله سبحانه، اجتنبوا عبادة الطاغوت، وكفروا بالطاغوت كما أمرهم الله سبحانه، قال: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:256].