قال الله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:15]، وليس الأمر هنا أمر إباحة ولا طلب، ولكن أمر تهديد ووعيد، كقوله سبحانه: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40] أي: إنه بما تعملون عليم سبحانه وتعالى وخبير، فالله بصير بالعباد، وعليم وبصير بهم، فهو يقول لهم: اعملوا ما شئتم، سنجازيكم أشد الجزاء، وأشد العقوبة، فكذلك قوله هنا: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ} [الزمر:15]، ليس معناه: إباحة، والذي يريد أن يعبد شيئاً يعبده، ليس معناه كذلك، وكذلك قوله سبحانه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6]، ليس معناه: كونوا مثلما أنتم على هذا الدين الباطل، فدينكم لكم وأنتم تجازون عليه، ولكم أجر من الله عليه، ليس معناه ذلك، ولكن المعنى: ديني يختص بي، فلي الجزاء عند الله سبحانه، والتوحيد أنتفع أنا به، وأنتم في شرككم، لا تنتفعون بما أنتم عليه طالما أصررتم على ذلكم، فجزاؤكم عليكم بسبب كفركم، وبسبب اتخاذكم غير الله أنداداً وشركاء، فدينكم وشؤم ما أنتم عليه من عبادة غير الله يختص بكم، فالجزاء عليكم يوم القيامة.
وقوله تعالى: {وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] أي: الدين القيم الذي أُثاب عليه، وعليكم وبال شؤمكم فيما اتبعتم من باطل وشرك بالله سبحانه وتعالى.
فقال تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ} فالأمر هنا للتهديد والتوبيخ لهؤلاء فيما يعبدون من دون الله.
قوله تعالى: (فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ) هذه قراءة الجمهور، وقرأها: (ما شيتم) الأصبهاني عن ورش، وأبو جعفر وأبو عمرو أيضاً بخلفه ويقف عليها حمزة هكذا: (فاعبدوا ما شيتم).