قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:6] أي: أن الله سبحانه وتعالى يخلق العباد في بطون أمهاتهم أطواراً.
ففي البداية تلتقي النطفة بالبويضة، فتلقح هذه البويضة ثم تصير جنيناً ينقسم عدة انقسامات حتى يصبح إنساناً.
فكان ابتداء الخلق من تراب، ثم من نطفة، ثم من مضغة، وهذه مضغة مخلقة وغير مخلقة ليبين لكم ويقر في الأرحام ما يشاء، ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً.
فهذه مراحل الخلق، مرحلة وراء مرحلة، ومن الناس من يبلغ ذلك، ومنهم من يموت قبل ذلك في أي مرحلة من هذه المراحل.
وخلق الإنسان عجيب جداً، فإذا تأمل أصل خلقته وهو هذه النطفة فتخيل هذا الشيء الضعيف جداً الذي لا يرى بالعين أبداً، بل لابد من مجهر كبير يرى به هذا الحيوان المنوي الذي يخرج منه في الدفقة الواحدة ملايين، وواحد فقط هو الذي يلقح هذه البويضة ليكون منها هذا الإنسان! فكان نطفة يستقذرها صاحبها، فصار منها هذا الإنسان الذي عاش على هذه الأرض، وعمل صالحاً أو طالحاً ثم رجع إلى ربه؛ ليجازيه ويحاسبه بعد ذلك.
هذا خلق الإنسان الذي ينبغي على كل مؤمن أن يتأمله ولا يستكبر؛ فإنه يعرف من أين أتى.
ولذلك مر رجل على أحد الصالحين وكأن الصالح لم يهتم به وكان من أبناء الملوك فقال: أما تعرفني؟ كأنه يقول: مررت بي من غير أن تقوم لي؟! قال: أعرفك، كنت نطفة مذرة، وتصير إلى جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة.
فالله تعالى حين يسوق لنا بديع قدرته أن خلقنا من نفس واحدة يذكرنا أنه هو الذي كرمنا كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:70].
ولذلك لما نظر إبليس لأصل خلقة آدم عليه السلام تعالى عليه واستكبر وأبى أن يسجد له، وقال: أأسجد له، وخلقتني من نار وخلقته من طين.
فكرم الإنسان ليس بأصل خلقته ولكن بتكريم الله عز وجل له، فالإنسان لا يتعالى، ولينظر إلى أصله من تراب يداس عليه، وسيتحلل جسده ويصير تراباً مرة أخرى، فلم التعالي؟! ولم البعد عن الله سبحانه تبارك وتعالى؟! ولم يقول الإنسان مغتراً بنفسه أنا أنا أنا؟! من تكون أنت؟! قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر:6] الجعل له عدة معان منها: الخلق.
ولها في كتاب الله تعالى عشرة أو أحد عشر معنى، منها هذا المعنى الذي هو الخلق.