الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر:6].
في الآية السابقة أخبرنا الله تبارك وتعالى عن عظيم قدرته في خلقه للسماوات، وخلقه للأرض، وفي تكوير الليل على النهار، وكيف أنه جعل الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، كما قال سبحانه: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن:5] أي: بحساب من الله سبحانه وتعالى، فقدر مواقيت الأشياء حتى يأتي الأجل المسمى والأجل المعلوم وتقوم الساعة، فيكون ذهاب هذه الأشياء كما يريد الله سبحانه.
وذكر هنا خلق الإنسان فقال: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر:6].
فمن قدرة الله العظيم سبحانه تبارك وتعالى خلق الإنسان من نفس واحدة هي آدم عليه السلام، خلقه من تراب، خلقه من ماء، خلقه من طين، خلقه من صلصال من حمأ مسنون، خلقه من صلصال كالفخار، هذه مراحل خلق آدم، فبعد أن كان عدماً أوجده الله سبحانه من تراب بأن قبض قبضة من جميع أنواع هذه الأرض وألوانها، إذ منها الأبيض، والأحمر، ومنها الأسود، ومنها الصعب الوعر، فجاء خلق آدم عليه السلام وبنيه على ما يكون من هذه الأرض جميعها، فمنهم الأبيض، ومنهم الأحمر، ومنهم الأسود، ومنهم اللين الطيب ومنهم الرديء الخبيث، ومنهم الصعب الوعر، ومنهم السهل، كما صح في ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فخلق آدم عليه السلام من تراب هذه الأرض، ونفخ فيه من روحه، وأسكنه جنته، ثم قدر ما يشاء، ونزل آدم عليه السلام إلى هذه الأرض، ثم أنزل الله الكتب، وأرسل الرسل؛ لهداية بني آدم حتى يرجعوا إلى الجنة مرة أخرى.
وفي قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [الزمر:6] قراءتان: قراءة الجمهور: (خَلَقَكم) وقراءة أبي عمرو ويعقوب: بالإدغام فيها.
قوله تعالى: (من نفس واحدة) يعني: من آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام الذي ذرأ الله عز وجل من ذريته النسل.
وقوله تعالى: (ثم جعل منها زوجها) أي: جعل من هذه النفس الواحدة وهي آدم زوجها، وهي حواء وخلقها من ضلع آدم حتى يأنس إليها وتأنس إليه، فكأن آدم عليه السلام كان في الجنة واستشعر أنه وحده من جنس الآدمي واحتاج لأحد يكون معه من جنسه، فالله عز وجل آنسه بـ حواء في جنته.