قال إلياس لقومه: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات:125 - 126] أي: أتذرون أحسن الخالقين الذي هو الله سبحانه تبارك وتعالى.
وهذه فيها قراءتان في لفظ الجلالة (الله) فقرئ بالنصب وهذه قراءة حفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب، وباقي القراء يقرءونها بالرفع على الابتداء، فعلى قراءة النصب كأنه تذرون أحسن الخالقين الله بدل مما قبلها، فكأنه قال: تذرون الله سبحانه تبارك وتعالى.
ومعنى قراءة الرفع اللهُ الذي هو ربكم ورب آبائكم الأولين.
والله هو الرب سبحانه تبارك وتعالى، ولكن الفرق بين الكلمتين في المعنى: أن الله يدل على ألوهية الله سبحانه، والرب يدل على ربوبية لله سبحانه، ومقتضى الألوهية أن يُعبد الله سبحانه تبارك وتعالى، فالله هو المعبود، يعني: أن الخلق يتوجهون إليه بالعبادة، فهو المألوه وحده، وهو المستحق وحده أن يعبد لا شريك له.
ويأتي الرب بمعنى الخالق، وبمعنى: المربي، وبمعنى: الواجد، وبمعنى: المعطي سبحانه تبارك وتعالى.
فالله المعبود هو الرب الخالق سبحانه تبارك وتعالى.
وقد كان الكفار لا يختلفون في ربوبية الله سبحانه تبارك وتعالى، وأنه رب؛ لذلك كانوا إذا سئلوا: من خلقكم؟ يقولون: الله.
وإذا سئلوا: من الذي يعطيكم الرزق، ومن الذي يطعمكم ويسقيكم؟ قالوا: الرب سبحانه تبارك وتعالى.
فهو لكونه رباً فهو يقدر على ذلك سبحانه.
فإذا سئلوا: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد أصناماً وأوثاناً من دون الله سبحانه، فيشركون في ألوهيته، قال الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87].
وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9]، فهم لا يختلفون في أن الذي يخلق هو الله سبحانه، فمن ادعى أن غير الله يخلق، وأن هذا الوصف لغير الله كان كاذباً، وهو أول من يكذب نفسه.
ولذلك لم يدع ذلك سوى اثنين النمرود الذي كان في عهد إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وفرعون الذي كان في عهد موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
فأما النمرود فقال: أنا أحيي وأميت، فأخزاه الله حالاً بمناظرة إبراهيم له، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] فأبهته الله سبحانه وأخزاه عندما {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة:258] أي: إن كنت تقدر على ذلك، وتقول: إنك رب فهات الشمس من المغرب، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258].
فأخزاه الله سبحانه تبارك وتعالى حالاً.
وأما فرعون الذي كان في عهد موسى: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] وهم يعلمون أنه لا يصلح لذلك، ولا يقدر على ذلك، وهو كذاب، وهو يعلم أنه كذاب، ولذلك أخزاه الله سبحانه، فإنه لما غرق في اليم قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:90] فإذا به يكذب نفسه، فأهلكه الله عز وجل بعد ما صرخ بهذه الكمة وبين أنه كذاب فيما يقول.
فدعوى الربوبية لم يكن أحد يدعيها، وإنما كانوا يدعون الألوهية، فيطلبون من غيرهم أن يعبدوهم من دون الله، ويفعلون ما لا يجوز إلا لله سبحانه تبارك وتعالى، فهذا إشراكهم بالله سبحانه، أنهم كانوا يعبدون معه غيره.
إذاً: الذي جمع بين الربوبية والألوهية هو الله الرب سبحانه وحده لا شريك له، وهو الذي يستحق العبادة، فهو الذي يقدر على أن يخلق، وعلى أن يرزق، وعلى أن يحيي، وعلى أن يميت، وعلى أن يعطي، وعلى أن يمنع، وعلى أن يعز، وعلى أن يذل، فهو واحد لا شريك له، وهو الذي يستحق أن يعبد.
قال تعالى: {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات:126] يعني: الذي خلقكم ورزقكم، وقبل ذلك خلق آبائكم الأولين.