الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الصافات: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:50 - 61].
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وما قبلها حال الموقف العظيم بين يديه سبحانه وتعالى يوم القيامة، وذكر لنا كيف أنه فعل بالمجرمين ما يستحقونه من عقوبة ومن عذاب جزاء تكذيبهم وإنكارهم توحيد الله سبحانه وتعالى واستكبارهم، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات:35 - 37].
فهؤلاء يذوقون العذاب الأليم ولا يجزون إلا ما كانوا يعملون، لكن عباد الله المخلصين الذين اصطفاهم الله، واجتباهم واختارهم، وهداهم إلى دينه سبحانه، ووفقهم للعمل الصالح، هؤلاء لهم رزق معلوم.
ولهم الفواكه عند رب العالمين، وهم مكرمون في جنات النعيم، ينعمون فيها فهم في عيشة هنيئة، قال تعالى: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات:44 - 45] أي: بكأس من خمر من عين جارية تجري في أرض الجنة لا تكدر، ولا يتغير لونها، بكأس بيضاء لذة للشاربين، لا فيها غول، ولا فيها أوجاع، ولا هم عنها ينزفون، ولا تذهب عقولهم، ولا تنفد خمرهم، ولا ينفد نعيمهم.
وقال تعالى: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} [الصافات:48] أي: الحور العين في جنات الخلود، {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49]، جعلهن الله عز وجل لأهل الجنة، وجعلهن مما تسر به أعين أهل الجنة وينعمون، ولهم فيها ما يشتهون، فهم في جنات الخلود على هذا الذي ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى.
{وََأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور:25]، وهم في الجنة يتسامرون، ويتذكرون أحوال أهل الدنيا في شرابهم ويكلم بعضهم بعضاً، كذلك أهل الجنة في نعيمهم، وفي شرابهم يكلم بعضهم بعضاً، ويتساءلون بعضهم مع بعض، قال هؤلاء بعضهم لبعض: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26]، وكنا نخاف من عذاب رب العالمين، وكنا مشفقين من يوم القيامة، فربنا من علينا ووقانا عذاب الجحيم، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28]، ويكلم بعضهم بعضاً بما كانوا يصنعون في الدنيا، قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:50]، فقال قائل من هؤلاء يحكي قصته مع صاحبه الذي كان في الدنيا: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51] أي: كان لي صاحب مقارن لي، يذهب ويأتي معي هذا القرين، يكذبني في تصديقي بالله سبحانه، ولرسل الله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات:52]، يتعجب لأمره ويقول: هل تصدق؟! وصل بك الأمر إلى أن تصدق أن هناك بعثاً وحساباً، وأن هناك يوم قيامة؟ أين ذهب عقلك؟! {أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:52 - 53]، فيتعجب هذا القرين من صاحبه، ويقول: إذا متنا وصرنا تراباً، وصرنا جثثاً، وصرنا عظاماً هل نبعث مرة أخرى بعد ذلك؟ هذا شيء بعيد! وقوله تعالى: {أَئِنَّكَ، يقرؤها قالون، وأبو جعفر، وأبو عمرو بالتسهيل مع المد فيقول: ((آئنك لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ))، ويقرؤها ورش، وابن كثير، ورويس أيضاً بالتسهيل فيها: ((آئنَكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ))، ويقرؤها هشام بخلفه: ((آئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ)).
وكل يدل على التعجب من إيمان هذا، وقوله تعالى: {أَئِذَا مِتْنَا}، فيها قراءتان كما قدمنا قبل ذلك.
وقوله تعالى: {وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] أي: هل نحن مجزيون؟ ما رأينا أحداً قبلنا مات ثم بعث، فكذب هذا القرين صديقه المؤمن.