قال سبحانه: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات:6] فيخبر الله سبحانه تبارك وتعالى عن السماء الدنيا، وهي أقرب السماء إلينا، وعدد السماوات سبع طباقاً بعضها فوق بعض، والأرض لا تساوي شيئاً بجوار هذه السماء العظيمة (والسماوات كلها بجوار كرسي الله عز وجل كحلقة في فلاة)، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الكرسي بجوار عرش الله سبحانه تبارك وتعالى، وقد زين الله عز وجل السماء الدنيا بزينة وهي الكواكب.
فخلق الله عز وجل النجوم زينة للسماء، وجعلها هداية للبشر يعرفون بها الطريق، فيعرف بها الشرق من الغرب، وكذلك دلالة النجم الفلاني على أن الطريق من هذا المكان، فجعل الله سبحانه تبارك وتعالى النجم هداية للناس كما قال: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16]، وهذه ثلاث فوائد خلقت من أجلها النجوم، فجعلها الله عز وجل زينة للسماء، وجعل منها ما يقذف ويرمى به الشياطين، وجعلها هداية للناس يعرفون بها الشرق والغرب والشمال والجنوب، ويعرفون الطريق بالنظر إليها، فمن ادعى فوق ذلك فقد ادعى ما ليس له به علم، ومن زعم أنه بالنجوم يعرف الأقدار فقد كذب على الله سبحانه تبارك وتعالى، وادعى غيباً لم يخبره به أحد، ووقع في الكفر بزعمه أنه يعلم شيئاً من الغيب.
فقوله: (إِنَّا زَيَّنَّا) ذكر الله عز وجل هنا نون العظمة؛ لأن السماء بنجومها عظيمة جداً، ففيها الشهاب الثاقب وما يدل على عظمته، فعبر بـ (إِنَّا) سبحانه؛ دلالة على العظمة.
وقوله: (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) هذه قراءة حفص عن عاصم وقراءة حمزة.
وقرأها شعبة عن عاصم بفتح الباء: (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبَ).
وقرأها باقي القراء بكسر الباء دون تنوين: (بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ).
ولكل وجه معنى، فمن قرأها: (بِزِينَةٍ) كما هي قراءة حفص وحمزة، (الْكَوَاكِبِ) فقال: بأن الزينة هي الكواكب، فجعلها بدلاً مما قبلها.
ومن قرأها بقراءة شعبة عن عاصم: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبَ)، جعلها منصوبة على المحل الذي قبلها، فكأنه قال: إنا زيناها زينة وبدل هذه الزينة قال: الكواكبَ، فهي معطوفة أو منصوبة على المحل الذي قبلها، أو بتقدير: أعني، (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ) أقصد وأعني: (الْكَوَاكِبَ) فهي مفعول على هذا الفعل المضمر، أو أنها بدل اشتمال من السماء.
وباقي من القراء يقرءونها على الإضافة: (بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ) فيضيف الكواكب إلى الزينة.
والحاصل: أن الله قد زين السماء الدنيا بهذه النجوم العظيمة التي يراها الإنسان على بعد بعيد جداً في السماء وهي صغيرة، فيظنها نقط في السماء وهي أكبر من الأرض بملايين المرات؛ لأن البعد الذي بيننا وبين السماء يصل إلى ملايين الكيلومترات، حتى إن شعاع النجم يستغرق للوصول إلى الأرض أربع سنين ضوئية، بينما تصل أشعة الشمس إلى الأرض خلال ثمان دقائق؛ ولذلك أقسم الله عز وجل بقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]، وأنت تستطيع رؤية النجم وقد استغرق أربع سنوات ضوئية! فيقسم الله عز وجل بالموقع الذي كان فيه هذا النجم قبل أن يصل إليك، فهذا أمر عجيب وأعجب منه دقة التصوير القرآني لهذه الحقائق، ففيه دلالة باهرة على أنه كلام رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى.