قال الله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12].
ما يقدمه الإنسان هو ما يفعله الآن، وأثره هو ما يتركه بعد وفاته، فيظل موجوداً باقياً، كالوقف الذي يحبسه، كمبنى يبنيه ويجعله مسجداً لله سبحانه وتعالى، هذا أثر للإنسان بعد ما يموت، حيث يظل الناس يصلون في هذا المكان، فيكون هذا أثراً من آثار هذا الإنسان يكتبه الله سبحانه وتعالى، فآثار المرء تبقى وتذكر بعده بخير أو بشر، ولو سن للناس سنة شر لكانت بعده في الناس يذكرونه بها.
من آثار الخير الحسنة التي يتركها الإنسان بعد وفاته: العلم الذي يعلمه، أو النهر الذي يجريه، أو البئر يحفرها للناس، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو مسجداً بناه، أو مصحفاً ورثه، أو ترك أولاداً صالحين يدعون له، كل هذا مما يكون أثراً لهذا الإنسان ينتفع به بعد وفاته.
أما الإنسان الذي يسن للناس سنة شر، فيصنع للناس أشياء فيقلده الناس عليها، كإنسان ظلم نوعاً من الظلم وسنه للناس، فصار عليه الناس بعده يسنون هذا الظلم ويتبعونه ويقلدونه، كفرضه على الناس أشياء لم ينزل الله عز وجل بها من سلطان، فيأخذ بها الناس، أو يضرب الناس على أشياء لم يؤمر بها لا في كتاب الله، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مما يتركه الإنسان ويسنه ويقلده من يليه بعد ذلك، فيأخذ من الناس أموالاً بغير حق، فيقلده الناس في ذلك، فهذا من المظالم.
ولذلك يذكر العلماء من ذلك وظيفة وظفها بعض الظلمة على المسلمين، فقلده الناس في ذلك، ثم مات هذا الذي صنع هذه الوظيفة للناس، وجاء من بعده وعملها ومشى عليها، فكانت مظالم من سنها يأخذ أوزار الباقين من غير ما ينقص من أوزارهم شيء.
كذلك لو أن إنساناً أحدث للناس بدعة من البدع فاتبعه الناس عليها، كمن أحدث للناس أنواعاً من الكهانة والعرافة وعلم النجوم والسحر والأبراج وغيره، ومات هذا وجاء من بعده يصنع ذلك، فهذا أثر سيئ، ولا يزال عليه اسمه ما وجد العمل بين الناس كما قال الله: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12]، وهذا نوع من أنواع الآثار.