قال الله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30]، يؤكد الله سبحانه وتعالى ذلك وأنه سيعطيهم الأجر الوافي: ((لِيُوَفِّيَهُمْ)) وهناك فرق بين أعطى ووفى، أعطى الأجر تماماً ولعله نقص، أما وفى فقد يعطيك أجرك الذي تستحقه ويزيدك عليه أيضاً فوق ذلك، فيقول: أخذت منه مالي وافياً ما نقص منه شيء.
فالله عز وجل يوفي هؤلاء ليس مثل الذي أعطوا، وإنما يوفي أضعافاً مضاعفة من فضله سبحانه، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:30]، هذا الجزاء من الله سبحانه، فهؤلاء يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ؛ لِيُوَفِّيَهُمْ وليعطيهم.
فقوله: (ليوفيهم) هنا لام السببية يعني أنهم أعطوا لذلك، أي: يرجون من الله الفضل، ويرجون منه أن يوفيهم أجورهم، فهم أنفقوا ليوفوا هذه الأجور، {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:30].
وهذا وعد من الله سبحانه في كتابه أنه يعطي الحسنة بعشر أمثالها، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160]، فهم صدقوا وعد الله سبحانه فأنفقوا ليعطيهم الله عز وجل ويوفيهم هذا الوعد الذي ذكره في كتابه سبحانه، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فيعطي الله عز وجل على الإحسان إحساناً وزيادة النظر إلى وجهه سبحانه وتعالى في جنة الخلود، {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30]، غفور سبحانه.
ورد في القرآن هذا اللفظ (غفور)، و {غَافِرِ الذَّنْبِ} [غافر:3] و (غفار) فهو الغفار سبحانه، وهو الغفور، وهو غافر الذنب، والغفر يأتي بمعنى التغطية والستر.
والله يغفر أي يمحو الذنب ويستره، ويغطيه ولا يبديه، فلا يفضح صاحبه الذي يتوب إليه سبحانه وتعالى، وهو يغفر الذنوب جميعاً، {شَكُورٌ} [فاطر:30] أي: يشكر لعباده إحسانهم، {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:7]، فإحسان المرء لنفسه، فإذا أحسن فالله عز وجل يوفيه الجزاء على إحسانه، ويشكر له عمله.
وعلمنا كيف أن رجلاً كان في فلاة فوجد بئر ماء فنزل وشرب منها، ثم خرج فوجد كلباً يلهث من شدة العطش، فإذا به يملأ حذاءه من هذا الماء ويسقي الكلب، فيشكر الله له ذلك ويغفر له ويدخله الجنة بذلك.
وامرأة بغي تفعل مثل ما فعل هذا الرجل تسقي كلباً أصابه العطش الشديد فشكر الله عز وجل لها فغفر لها، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، من أحسن فالله يحسن إليه، ويعامله بفعله وبمعاملته، فالله غفور شكور.
إذاً: فهؤلاء المؤمنون يتلون كتاب الله، ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله سراً وعلانية؛ حتى يوفيهم الله سبحانه وتعالى أعمالهم.
فالله وعد في كتابه وأكد أنه يعطيهم أجورهم وزيادة منه وفضل منه سبحانه وتعالى؛ لأنه غفور شكور، يغفر الذنب، ويشكر الإحسان من العبد.