من آيات الله سبحانه في هذه المياه أنه يبخر مياه المحيط الذي هو شديد الملوحة، ومياه البحر الذي هو أقل منه ملوحة، ومياه النهر الذي ليس فيه ملوحة، فإذا نزل الكل على هذه الأرض نزل ماءً عذباً فراتاً مباركاً من السماء, وهذه هي عملية تبخير الماء وإرجاعه بالتكثيف، والآن يحاول البشر أن يعملوا هذه العملية؛ لكي يحلو مياه البحر، فيأخذون في تكثيف المياه بأن يبخروها، ثم يستقبلوها على شيء.
ويكثفوها فتنزل مرة أخرى وطعمها حلو، ولكن عندما تشرب مياه محلاة من محطات تحلية وماء المطر تجد الفرق بين صنع الله سبحانه تبارك وتعالى وصنع البشر, فالمياه المحلاة ليس لها طعم، أما مياه المطر فهي طاهرة طيبة مباركة نزلت من السماء، وكان إذا نزل المطر يخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليه حتى يأتي على وجهه ورأسه وذراعية صلوات الله وسلامه عليه، ويقول: (إنه قريب عهد بربه) , وهذا لماء الذي خرج من الأرض واحتاج العباد إليه يصرفه الله كما يشاء، فقد جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً كان يمشي في فلاة فسمع صوتاً في سحابة يقول: اسق حديقة فلان فتعجب الرجل ونظر إلى السحابة فلم ير أحداً ولكن سمع الاسم فتتبع السحابة، فتجمعت السحابة في مكان في السماء، وسارت السحابة ثم أمطرت مطراً على حديقة لإنسان، فيعجب الرجل لذلك وينادي على صاحب الحديقة يقول: ما اسمك يا عبد الله! فقال: أنا فلان بالاسم الذي سمعه في السحاب، فقال: لم تسألني عن اسمي؟) أي: لماذا تسألني هذا السؤال؟ فيقول: (أخبرني ما الذي تصنعه في حديقتك؟ فقال: لم السؤال؟ فقال له: إني سمعت صوتاً في السحابة الذي هذا ماءها يقول: اسق حديقة فلان باسمك، فقال: أما إذ أخبرتني بذلك فإني إذا زرعت) أي: إذا حصدت هذا الذي زرعته (فإني آكل ثلثه وأتصدق بثلثه وأرد فيها ثلثها، قال: فهذا الذي بلغ بك ما سمعت في السحاب) هذا الرجل كان إذا أثمرت مزرعته تصدق بثلثها، ويأكل من تعبه وحصاده الثلث، ويرد فيها الثلث الآخر، فلما جعل هذا الشيء لله عز وجل لم يحرمه الله سبحانه، وجعل الله السحابة تأتي إليه وحده لتنزل بالماء على أرضه وحديقته {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [الروم:48] فهذه الآية العظيمة التي تخبرنا عن رحمة الله سبحانه، وأنه يرسل السحاب وينزل المطر ويفعل ما يشاء في خلقه سبحانه تبارك وتعالى.