قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]، أي: احذروا أن يغركم بالله سبحانه تبارك وتعالى وأن يزين لكم الباطل، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، فالشياطين يوحون إلى أشياعهم، وأوليائهم، ويوسوسون إليهم حتى يجادلوا المؤمنين بإيقاع الشبهات في قلوبهم، ويلبسون عليهم ليلبسوا عليهم دينهم، فأولياء الشيطان يسول ويزين لهم القول الباطل، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:137]، ولكنه ترك للشيطان أن يوسوس حتى يجازيه ويجازي أتباعه وأشياعه يوم القيامة.
فحذر المؤمنين وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، فالشيطان يوسوس للإنسان، ويدفع أولياءه ليجادلوا المؤمنين، ولا يملك أكثر من الجدل وأكثر من الوسوسة في القلوب، ولكن الله أنزل الكتاب وأرسل رسوله صلوات الله وسلامه عليه، ووهب الناس القلوب والعقول حتى يفهموا عن الله سبحانه، فأعذر إليهم وحذرهم، وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:6].
وبين لنا أنه لما خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام في الجنة كان الشيطان سبب خروجه من الجنة، وأنه وسوس إليه وإلى زوجه حواء حتى أكلا من الشجرة: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:121 - 122].
فالشيطان سبب بلاء الإنسان، وسبب خروج آدم من الجنة، فهو عدو لأبيك آدم أفلا يكون عدواً لك؟! وهو الذي قال لربه سبحانه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]، وقال: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]، فتوعد ابن آدم بأنه سيصنع به ذلك، وقال لربه سبحانه: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء:62]، {لَأَحْتَنِكَنَّ} [الإسراء:62]، يعني سأزين للذرية وأحتال لها الحيل، حتى أخرجهم عن الدين وأضلهم وأدخلهم النار والعياذ بالله، فهو يريد أن يأخذ ذرية آدم معه إلى النار، أو من استطاع أن يأخذه منهم معه إلى النار.
فلذلك قال لربه سبحانه تبارك وتعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]، وكأنه يقول: لن يتجاوزه إنسان إلا وفتنته وأغويته.
قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، أي: عادوا الشيطان ولا تصادقوه، ولا تسمعوا لوسوسته، وتزيينه، {إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]، فالشيطان يدعو أتباعه وأشياعه ليكونوا معه في أصحاب السعير، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله ينادى على الإنسان الذي يكذب ويفتري ويترك ربه ويتبع الشيطان: يا كذاب يا مفتري! اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر.
وكل إنسان من أهل المعاصي يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقول: الشيطان الذي عمل لي كذا والشيطان هو الذي وسوس، ولكن أنت الذي اخترت، وأنت الذي اكتسبت، والله عز وجل يحاسبك على كسبك أنت: لم أطعت الشيطان، وقد حذرك الله سبحانه وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]؟ يقول ابن السماك: يا عجباً لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه! وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته! فالعجب ممن عرف الله سبحانه الذي أحسن إليه ومن عليه وأعطاه من كل النعم، وإذا به يعصي ربه سبحانه، ويطيع الشيطان الذي قد عرف عداوته، وعرف كيف عادى آدم، وبني آدم، وكيف جعل ابن آدم يقتل أخاه بغير ذنب وجرم، وكيف جعل الناس يكذبون رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فإذا بالإنسان يستمع للشيطان ويتبعه ويترك ربه سبحانه تبارك وتعالى.
السعير أي: النار، والنار أسماؤها كثيرة، وأوصاف هذه الأسماء عجيبة تدل على منظرها القبيح، وهناك فرق بين نار الدنيا ونار الآخرة، فنار الآخرة نار سوداء مظلمة والعياذ بالله، ونار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة، فالله تبارك وتعالى خففها لينتفع بها البشر، وإلا لأحرقت كل شيء، أما نار الآخرة فوقودها الناس والحجارة، ونحن ما رأينا ناراً في الدنيا توقدها الحجارة، وهذا يدل على أن حرها قد بلغ أقصى ما يكون من درجات الحرارة، ومن أسماء النار جهنم، وهي مأخوذة من الجهومة، وفيها معنى الغضب ومعنى العبوس ومعنى الظلمة.
ومن أسمائها: السعير، وهي مأخوذة من الاستعارة، فهي نار مستعرة كالمجنونة، تقول: فلان مسعور، وفلان به سعار، أي: به جنون، أصابه داء الكلب فصار كالمجنون، فهي نار مستعرة عظيمة، تفور وتجذب من جاء إليها، أو من وكلت به، وهي مضطرمة أشد اضطرام، مشتعلة أعظم الاشتعال والاستعار.