قال الله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [الأحزاب:51] كل إنسان قد يظهر شيئاً بلسانه ويخفي ويضمر شيئاً في قلبه، فالله عز وجل أعلم بما في هذه القلوب.
قال الله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} [الأحزاب:51] في هذا إشارة إلى أن الإنسان قد ينطق بالشيء الذي لا يوافقه قلبه عليه، فيقول: أنا راض، وهو ليس براض في القلب، والله أعلم بما في القلب.
والله حليم سبحانه وتعالى، يحلم عليكم، فالإنسان في حال التهور قد لا يرضى بشيء، ثم بعد ذلك يراجع نفسه، والله تبارك وتعالى يعلم من هذا الإنسان ذلك، ويعلم ما أضمر في قلبه، ويعلم أنه سيرجع إلى الحق ثانياً، فيحلم عليه من فضله ويكرمه سبحانه، ولا يعاجله بالعقوبة.
وقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [الأحزاب:51] فيه إشارة لجميع المؤمنين أن الله أباح للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ومنع المؤمنين من هذا الشيء، فأباح له أن يجمع أكثر من أربع من النسوة، أما المؤمنون فليس لهم إلا أربع لا يزيد الرجل على ذلك.
والإنسان يلزمه أن يعدل بين النساء، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل له ربه سبحانه من حقه أن يؤوي من يشاء أي: يضم من يشاء ويعزل من يشاء، لكن غيره من المؤمنين ليس له ذلك، فإذا تزوج بامرأتين فليس من حقه عزل هذه وضم هذه، وإذا كان لا يريدها فليطلقها، ولا يعضل هذه المرأة، فلا بد من القسم بينهما، ولا بد من العدالة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل صلوات الله وسلامه عليه، مع تخيير الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤوي من يشاء ويضم من يشاء ويعزل من يشاء، وكان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الليلة الواحدة.
وغير النبي صلى الله عليه وسلم يلزمه أن يقسم ويعدل بين النساء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود وغيره: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل).
فالإنسان يقوم يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى في موقف طويل جداً، فالله يصبر من يشاء، ويضيق على من يشاء، فالإنسان الظالم لنسائه يأتي يوم القيامة وشقه مائل، يعني: يأتي وهو مفلوج، أي مشلول، لأنه مال إلى إحدى نسائه على الباقيات.
والميل نوعان: ميل قلبي وهذا لا يملكه العبد، فيحب فلانة أكثر من فلانة، وجاء في حديث رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل، وكان يقول: (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) فهو قسم بين النساء في النفقة من الطعام والشراب والكسوة، وهذا فيما يملك، أما ما لا يملكه وهو أنه كان يحب السيدة عائشة أكثر من غيرها، فهذا لا يملكه صلى الله عليه وسلم، والله هو الذي يملك ذلك سبحانه وتعالى.
فالزوج قد يميل لإحدى زوجاته أكثر من غيرها، وهذا لا يملكه العبد، فالله عز وجل يقول: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [الأحزاب:51]، فهذا الميل خلقه الله عز وجل في القلب، فالإنسان لا حرج عليه في ذلك.
والميل الآخر: أن يبيت مثلاً عند هذه أسابيع والثانية لا يأتيها كل أسبوع إلا مرة، أو ينفق على هذه ويسرف وهذه لا يعطيها شيئاً، فهذا هو الجور، والله عز وجل يقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، فالإنسان لا يجمع اثنتين إذا كان لا يقدر على العدل بينهما.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.