الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب لنبيه صلى الله عليه وسلم: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَينَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا * لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب:51 - 52].
ذكر الله تبارك وتعالى قبل هاتين الآيتين أنه أحل لنبيه أزواجه اللاتي آتى أجورهن وكذلك ملك يمينه، وذكر له أصنافاً ممن أحلهن له، ثم قال في آخر الآية: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:50] علم الله سبحانه ما الذي فرضه للنبي صلى الله عليه وسلم وأحله له، وأعلم المؤمنين بذلك، وأعلم نبيه صلى الله عليه وسلم حتى لا يقع في نفسه حرج من أن الله أباح له ما لم يبحه لغيره عليه الصلاة السلام.
ثم قال في هؤلاء النساء اللاتي تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51]، فمن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم جعل الله سبحانه له أن يقسم بينهن بحسب ما يرى عليه الصلاة والسلام، فالقسم على النبي صلى الله عليه وسلم ليس واجباً، وعلى غيره من الناس واجب، فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي آتاهن أجورهن فتزوجهن قال له سبحانه: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:51]، وكذلك من وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم إن شاء تزوجها وإن شاء أرجأها صلوات الله وسلامه عليه فلم يتزوجها وأخر هذا الأمر.
هنا قراءة الجمهور: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء).
وقراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وابن عامر وشعبة عن عاصم: (ترجئ) من الإرجاء، وهو نفس المعنى: أي: تؤخر، فكأنه أباح للنبي صلى الله عليه وسلم إذا شاء تزوج، وإذا شاء ترك صلى الله عليه وسلم، ومن تزوجها صلوات الله وسلامه عليه له أن يقسم بينها وبين غيرها، وله ألا يفعل ذلك فيؤخر قسمها لحاجة أو لعذر.
كذلك من وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يرجئها فيؤخرها، وله أن يتزوجها وهذا التخيير من الله تبارك وتعالى.
قال: (إنا أحللنا لك)، وفي هذا الإحلال للنبي صلوات الله وسلامه عليه تيسير من الله سبحانه على نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وفيه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم قرة عين، إذا علمن أن هذا ليس منه عليه الصلاة والسلام ولكن من الله، فلو أن الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم لعل الواحدة يكون في نفسها شيء من الضيق، وتقول: لماذا يفعل بي كذا؟ لماذا لا يقصدني؟ لماذا أخرني النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيكون في صدرها حرج، ولكن إذا كان الله أباح له ذلك ولا حرج على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فالمرأة تسكت وترضى بأمر الله سبحانه.