حرمت عليه أشياء دون غيره عليه الصلاة والسلام: من ذلك تحريم الزكاة عليه وعلى آله، فيحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ شيئاً من زكوات الناس، وذلك إلى قيام الساعة، فليس للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأحد من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب أن يأخذوا من الصدقات شيئاً ولا من الزكوات، فيحرم عليه صلى الله عليه وسلم الزكاة وكذلك على آل بيته.
كذلك يحرم عليه صدقة التطوع، فكان يؤتى بالشيء من تمر ونحوه فيسأل: ما هذا؟ فإذا قالوا: هذا صدقة قال لأصحابه: كلوا، وإذا قالوا: هدية أكل وأمرهم أن يأكلوا عليه الصلاة والسلام، فكان يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة لنفسه عليه الصلاة والسلام.
أيضاً من ذلك: خائنة الأعين، يعني: أن يغمز لأحد على شيء، فيجوز لغيره إذا كان في حاجة غمز فيها، أما هو فليس له ذلك صلى الله عليه وسلم.
وهنا قصة رواها الإمام أبو داود ورواها النسائي من حديث مصعب بن سعد عن أبيه يوضح هذا الأمر أنه ما كان لنبي أن يكون له خائنة أعين عليه الصلاة والسلام.
يقول سعد بن أبي وقاص: (لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين).
وهذا في فتح مكة صلى الله عليه وسلم حين قال للناس: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) إلا أربعة لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا من الخونة ومن أشد الناس إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فبعضهم قتل، وبعضهم أفلت ثم أسلم بعد ذلك.
فهؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة) وهم: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، هؤلاء الأربعة من الرجال، وامرأتان كانتا تغنيان بشتم النبي صلى الله عليه وسلم وسبه وهجائه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل هؤلاء.
فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن كريز وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً فقتله.
وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه.
وأما عكرمة فركب البحر فأصابته ريح عاصف وهم في البحر، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً، يعني: انظر العرب في الجاهلية يعرفون أن الذي يعبدونه باطل لا ينفع ولا يضر، فلما ركبوا السفينة -وكلهم كفار- جاءت ريح عاصف عليهم فقال أصحاب السفينة: ارجعوا إلى الإخلاص واتركوا العبادة التي أنتم فيها، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ففكر عكرمة وقال: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص فلا ينجي في البر غيره، فقال: اللهم إن لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفواً كريماً، فجاءه فأسلم بعد ذلك رضي الله عنه.
أما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فاختبأ عند عثمان وكان أخاً لـ عثمان من أمه، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به عثمان، ووقف به على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، يعني: لم يرض أن يبايعه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في المرة الرابعة بايعه صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل على أصحابه بعد أن مشى الرجل فقال: النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟)، يعني: لا بيعة بيننا وبينه، وهذا إنسان كان على الكفر وعمل عملاً قبل ذلك، فتفهمون أنني لا أريد أصلاً هذا الإنسان فيقوم له أحد ليقتله، فقالوا: (وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك؟) أي: تغمز لأحد منا يقوم له فيقتله، قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)، مع أنه يريد قتل هذا الإنسان.
وعبد الله بن سعد بن أبي السرح هذا كان كاتباً يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن، ثم ارتد ورجع إلى الكفار وقال: أنا كنت أملي على النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أكتب من عند نفسي، فافترى وفتن الناس في ذلك، يعني يقول: أنا كنت أؤلف القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوافقني، فكانت تنزل الآية فيها شيء، ثم ختام الآية: وكان الله غفوراً رحيما، كان الله عليماً حكيماً، فالرجل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أكتب عليماً حكيماً فينزل القرآن من عند الله عز وجل، يقول: اكتب عليماً حكيماً، فهو كان يفتري ويقول للناس: أنا الذي كنت أؤلف هذه الأشياء، وأنا الذي كنت أجعلها؛ ففتن الناس فاستحق أن يقتل، ولكن رحمة الله عظيمة وواسعة، لم يقتل هذا الإنسان وأفلت، وصار بعد ذلك أميراً على مصر في أيام الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد قتله وأراد الله عز وجل شيئاً آخر، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يغمز للناس، لو غمز لهم لقاموا إليه وقتلوه، ولكن من خصوصياته أنه ليس من حقه أن يغمز على أحد.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.