الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب:49 - 50].
يقول الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في أمر النكاح: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49].
وقد ذكرنا أن الإنسان إذا تزوج إما أنه يدخل بالمرأة أو أنه لا يدخل بها، فإذا دخل بها وطلقها كان الطلاق رجعياً، إلا إن خالعها على مال فيكون الطلاق بينونة صغرى، أو يكون القاضي هو الذي طلق على الرجل فتكون أيضاً بينونة صغرى، لا مراجعة له، فإذا أراد أن يتزوج يكون الزواج بعقد من جديد.
وإذا طلق الرجل المرأة وانقضت العدة في طلقة رجعية، فتكون قد بانت منه أيضاً بينونة صغرى، فلا رجوع له، إلا إذا أراد أن يعقد من جديد بمهر جديد، وولي وشهود.
لكن إذا أراد الرجوع في خلال عدة المرأة وكان الطلاق رجعياً، فله أن يراجعها من غير ولي، وتصح المراجعة من غير شهود، ويجب عليه أن يشهد في المراجعة.
وإذا طلق الإنسان المرأة قبل أن يدخل بها، فإنها تبين منه بهذه التطليقة.
وليس هناك هزل في أمر الطلاق، فقد ورد في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة).
فإذا كان الرجل يمزح مع المرأة وقال لها: أنت طالق، فقد وقع الطلاق، سواء كان يقول: أنا كنت أنوي طلاقاً أو لم أنو طلاقاً؛ لأن اللفظة لفظة طلاق، يقع بها، ولا هزل في ذلك.
كذلك لو أن الرجل طلق المرأة، ثم قال: راجعتك، فقد رجعت له المرأة بذلك، ولو أنه قال: أنا أمزح لم أراجعك، وأنت طالق، وقعت طلقة ثانية، لأن لفظ الطلاق ليس فيه هزل ولا مزاح، فتجد الذي يلعب بالطلاق تقع منه طلقة أولى، وطلقة ثانية، فيأتي متحسراً، ويقول: طلقت المرأة، ولم أكن أقصد، إنما كانت نيتي كذا وكذا، فنقول: الطلاق يقع بلفظ الإيقاع أي: إذا قال: أنت طالق يقع الطلاق منه.
وكثير من الناس يقول لزوجته: أنت طالق! ثم يقول: كنت أهددها، وليس هناك تهديد في كلمة: أنت طالق، هذا إيقاع للطلاق.
إنما التهديد قد يقبل من الرجل إذا كان يحلف بالطلاق، كأن يقول لها: لا تفعلي كذا، وافعلي كذا، فهنا قد يقبل منه أن يقول: كنت أهدد، وقد يحمل على اليمين، وفيه كفارة يمين إذا لم يقصد الطلاق، لكن إيقاع الطلاق: أنت طالق! ليس فيه كلام، بل يقع الطلاق بنية أو بغير نية في ذلك.
وفي هذه المسألة يذكر الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:49] فذكر سبحانه: أن الرجل إذا نكح ثم طلق، {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49] فلا يوجد عدة، إذاً: الطلقة وقعت، وليس لك مراجعتها.
وكثير من الشباب يكون قد عقد، ثم تأخذه العزة أحياناً، ويغضب على المرأة، فيقول: أنت طالق، ثم بعد ذلك يخاف أن يذهب إلى أبيها وقد طلقها، فيأبى أبوها أن يرجعها له، فيقول لها: تعالي أرجعك عند القاضي.
فلا ترجع إليه بذلك، فإذا تزوجها على ذلك، فهو نكاح باطل، وليس صحيحاً، ولا بد من تزويج الولي، لأن هذا الرجل لم يدخل بها، والذي له أن يراجع المرأة من غير ولي هو الذي دخل بها فطلقها، ففي خلال فترة العدة له المراجعة.