وفي هذه الآية يذكر لنا نوعاً آخر وهي المرأة التي تطلق ولم يدخل بها زوجها، فلا عدة عليها، بسبب عدم وجود الوطء.
وقد تجب عليها العدة بسبب الموت، فهناك إنسان تزوج امرأة ثم طلقها، وإنسان تزوج امرأة فمات عنها، فالفرق بين الاثنين في أمر العدة أنه إذا تزوج المرأة ودخل بها فطلقها فيراعى براءة الرحم في ذلك؛ حتى لا ينشغل رحم المرأة بمائين: ماء الرجل الأول وماء الرجل الثاني، لكن في أمر المفارقة بالوفاة، فعليها مراعاة أشياء أخر بغض النظر عن أنه دخل بها أو لم يدخل بها، فهذا زوج وله حق على زوجته التي مات عنها أن تحزن عليه، فالحزن عليه ينافي أن تتزوج المرأة في اليوم الثاني بإنسان آخر، وهو إذا مات عنها فإنها ترثه في هذه الحالة، فكيف ترث ماله اليوم، وتتزوج غيره غداً؟! فأمرت الشريعة بأن تنتظر هذه المرأة أربعة أشهر وعشراً، سواء دخل بها هذا الزوج أو لم يدخل بها؛ لأن الذي مات كان زوجاً لها، فتحزن المرأة على زوجها الذي توفي مراعاة لأهله، والشريعة راعت شعور الناس في ذلك فمنعت أن تتزوج المرأة حتى تنتهي فترة العدة، وهي تبدأ من الوفاة فتمكث أربعة أشهر وعشراً.
ونلاحظ في عدة الوفاة أنه لم يقل: (قروء) أي: حيضات، ولكن أربعة أشهر وعشراً، فيستوي فيها المرأة الصغيرة والكبيرة، والتي تحيض والتي لا تحيض، والتي دخل بها والتي لم يدخل بها، ففي كل الأحوال لا بد من هذه العدة، مراعاة لحق الزوج على هذه المرأة، ولحق أهل الزوج وأنها سترث من قريبهم، فلا يصح أن تأخذ ماله اليوم إرثاً وتتزوج غداً من إنسان آخر.
لكن أمر الطلاق قبل الدخول يختلف عن أمر الوفاة، فإذا طلقها قبل الدخول، فمن حقها في اليوم الثاني أن تتزوج غيره، ولا يوجد مراعاة لأمر هذا الرجل؛ لأنه هو الذي طلقها وفارقها ولم يدخل بها، فعلى ذلك لن يجتمع ماءان في رحمها، وليس له عليها حق أن تعتد، ولكن إن كان قد دفع لها مهراً كاملاً، فله أن يرجع بنصف هذا المهر.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:49]، النكاح هنا المقصود به: العقد.