ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:48].
وهذا كرر ما ذكره في أول السورة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب:1]، فقال في أول السورة {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:1] فالكفار يداهنون، قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9].
فهم يدهنون ويلينون معك شيئاً، ويودون لو أنك ملت ولنت لهم في شيء، فيحذره الله سبحانه: احذر من الكفار! كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اذكر آلهتنا بخير ولو مرة واحدة ونحن ندخل معك في الإسلام، فلما أبى صلى الله عليه وسلم قالوا: اسكت عن آلهتنا، لا تتكلم عن آلهتنا بخير ولا بشر، وحاشا له أن يسكت صلوات الله وسلامه عليه على باطل، بل لابد أن يبين أن هذه الأصنام وهذه الآلهة من دون الله عز وجل لا تنفع شيئاً ولا تضر بشيء، وإنما الذي ينفع ويضر هو الله تبارك وتعالى.
فكان كفار قريش يمنون النبي صلى الله عليه وسلم يقولون له: اجعل لنا يوماً نجلس معك ولا نجلس مع هؤلاء الفقراء، فيقول له ربه سبحانه: احذر من ذلك ولا تطع الكافرين.
كذلك المنافقون يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أشياء، فالمنافق يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وهم يتولون غير الله سبحانه وغير رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس له أن يعطيهم إياه، كـ عبد الله بن أبي وطعمة بن أبيرق وغيرهم كانوا يحثون النبي صلى الله عليه وسلم على إجابتهم فيطلبون أشياء لا يجوز له أن يفعلها صلى الله عليه وسلم، ويتعللون بالمصلحة، فيريدون أن يوالوا اليهود للمصلحة، يقولون: اليهود هؤلاء كانوا حلفاءنا في الجاهلية، وكانوا يحبوننا، وكانوا يدافعون عنا، فدعنا مع هؤلاء اليهود لا نتركهم، فيطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ويشفعون عنده في اليهود، كـ عبد الله بن أبي لما شفع في بني النضير، وتركهم النبي صلى الله عليه وسلم له في النهاية.
فالله عز وجل يحذره: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:48] هؤلاء إذا أطعتهم أضلوك وأخرجوك عما أراده الله عز وجل بك.