ولم يكن يعرف شريعة صلوات الله وسلامه عليه؛ ولذلك قال الله سبحانه: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} [الضحى:7] أي: فهداك إلى شريعته تبارك وتعالى.
كان لا يعرف من هو جبريل الذي ينزل من السماء! وما هو الناموس الذي عند الله تبارك وتعالى! فلما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فزع فزعاً عظيماً، وهرب إلى بيته صلى الله عليه وسلم وهو يرتجف ويقول: زملوني زملوني! دثروني دثروني! ولم يعرف من هذا الرسول الذي جاء من السماء حتى طمأنته خديجة رضي الله عنها وأخذته إلى ورقة بن نوفل؛ فأخبره أن هذا هو الناموس الأعظم الذي كان ينزل على موسى، فأنت ستكون نبي هذه الأمة، ولو أدركني يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً، وإن قومك سيخرجونك، قال: أو مخرجي هم؟ قال: ما بعث نبي من الأنبياء بمثل ما بعثت به إلا عودي.
إذاً: ورقة بن نوفل لم يكن يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف شيئاً من ذلك صلى الله عليه وسلم.
ورقة كان على دين النصرانية، ولكن كان على الحق، عرف الحق رضي الله تبارك وتعالى عنه؛ فعرف أن نبياً سيبعث في هذا الزمان، وهذه علامات نبوته صلوات الله وسلامه عليه، فيقول: لو أدركني يومك عندما تهاجر من مكة إلى المدينة سأنصرك نصراً مؤزراً.
إذاً عرف ورقة أنهم سيخرجونه، وسيهاجر صلوات الله وسلامه عليه، لكن ولم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن قد أوحي إليه بشيء، فهذا من معاني قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7].
أي: لم تكن تعرف شيئاً عن هذه الشريعة فهداك ودلك، لم يعلمك أحد من البشر قراءة ولا كتابة، ولا درست نصرانية ولا يهودية، وإنما كان على الفطرة السليمة صلوات الله وسلامه عليه، يتعبد لله سبحانه الليالي ذوات العدد في غار حراء، ثم يتزود لمثلها ويذهب مرة ثانية وثالثة حتى جاءه الحق من عند الله سبحانه تبارك وتعالى وهو في حراء.
فهو الداعي إلى الله بإذن الله سبحانه، قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر:94] فأمر صلوات الله وسلامه عليه أن يجهر بالحق بإذن الله سبحانه.
آذاه قومه ولم يقدر أن يخرج من مكة إلى المدينة إلا بإذن الله؛ فانتظر أن يؤذن له، فخرج بعدما أذن الله عز وجل له، وكان أبو بكر قد أوذي فأراد أن يهاجر، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يصبره ويقول: إني أنتظر أن يؤذن لي، فانتظر أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء الإذن من الله.
إذاً: هو لا يدعو من عند نفسه وإنما بأمر الله ولأمر الله، وبوحي من الله، ولذلك قال الله سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] لا ينطق عن هواه ولا عن شيء في نفسه، وإنما قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6].
لم يعلمه أحد من البشر، وإنما جاءه جبريل من عند رب العالمين بالوحي آية آية! وحديثاً وراء حديث! يتعلم صلى الله عليه وسلم من جبريل ويبلغ الناس، فهو الداعي إلى الله بإذن الله سبحانه، وهو السراج المنير صلوات الله وسلامه عليه بما جاء من هذه الشريعة العظيمة.