قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب:44] قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب:43] هذا أقرب مذكور، وقوله: ((تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ)) أي: يوم يلقون الله سبحانه، ويدخلهم جنته سبحانه ويريهم وجهه الكريم سبحانه، والتحية التي تكون بين المؤمنين في الجنة سلام، أي: يسلم بعضهم على بعض ويدعو بعضهم لبعض بالسلام؛ لأنه نجا من النار، وأن الله سلمه حتى يعيش في هذه الجنة دائماً أبداً مسلماً سالماً من الآفات ومن السوء ومن كل كرب ومن كل شر؛ لأن الدنيا فيها الكدور وفيها الشرور، وفيها التعب والنصب، أما الجنة فهي خالية من كل ما يكدر الصفو، وهي دار السلام، فيحييهم ربهم سبحانه وتعالى، ويسلم عليهم ربهم بالسلام، {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23] يقولون: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24].
إذاً: تحيتهم فيما بينهم السلام، بحيث يسلم بعضهم على بعض ويدعو بعضهم لبعض بالسلامة والأمن والطمأنينة والنجاة من كل الشرور، كذلك ربهم يسلم عليهم سبحانه، فيستجيب سبحانه دعاءهم، ويجعلهم في سلام وفي أمن في جنة الخلود، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.
فقوله: (تحيتهم) أي: ويحيي بعضهم بعضاً، والتحية أصلها الدعاء بالحياة، أي: أدعو له بالحياة، هذا أصل التحية، فيكون المعنى: يدعو بعضهم لبعض بالحياة التي فيها سلام والتي فيها طمأنينة، والتي يسلم فيها العبد من الأمراض والأنكاد والشرور والآثام، ومن الكدر والتعب والنصب.
قوله: ((تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ)) أي: يوم القيامة عند دخولهم الجنة تحيتهم فيها سلام.
ثم قال الله سبحانه وتعالى: ((وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)) أي: أعد لهم الله سبحانه أجراً، وهو سبحانه إذا أراد أمراً فإنما يقول له: كن فيكون.
فهنا الإعداد دليل على العناية من الرب سبحانه للعبد، فهو لا يحتاج إلى أن يعد وأن يجهز سبحانه، ولكن العناية بالمؤمنين أن الله سبحانه جهز لهم جنة من قبل أن يخلقهم، وجعل لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ويخبر سبحانه وتعالى أنه بكرمه هو الذي أعد لهم هذه الجنة، وأعد لهم أجراً على ما عملوه، والعبد إذا عمل استحق من الله سبحانه الأجر الكريم والأجر العظيم، ففي الدنيا تقول: هذا يعطيني أجراً عظيماً وذاك يعطيني أجراً لئيماً؛ لأن اللؤم من طباع الإنسان فهو في عطائه يعطي الشيء الرديء، مع أن الحاجة موجودة عنده، ويبخس الإنسان حقه، ولكن الله عز وجل يعطي العطاء الكريم الذي يليق به سبحانه وتعالى، والعبد لم يفعل شيئاً يستحق عليه هذا الأجر، ولكن رحمة رب العالمين سبحانه.
فالإنسان يأخذ بالأسباب ويعبد الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله خلقه وهو مهما عبد الله لم يوف الله حقه في شكر نعمه عليه سبحانه، فكيف بأن الله يعطيه هذه الجنة العظيمة، فهذا فضل من الله سبحانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) فقوله: ((وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)) فالإنسان المؤمن ينتظر من الله عز وجل الخير والكرم، فإذا كنت تنتظر كرمه فابدأ أنت بالعمل وابدأ بالتوبة إلى الله سبحانه، ولا تقل: غداً أتوب، غداً أعمل كذا، لعله لا يأتي الغد؛ لأن الموت أمامنا، فنحن نرى الموت يأخذ الصغار ويأخذ الشيوخ ويأخذ الشباب ولا يترك أحداً، فكم من إنسان يسوف ويقول: غداً أتوب، غداً أفعل كذا، أنا لا زلت صغيراً، وعندما أكبر سأفعل كذا ولا يأتي عليه هذا السن الذي يتمنى أن يأتيه.
لذلك بادر بالتوبة وبادر بالعمل من قبل أن يأتي اليوم الذي قد وعد الله عز وجل عباده به، الموت الذي لا يؤخر، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.