قال الله عز وجل: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:37].
وفي هذه الآية تعليل آخر وبيان سنة من سنن الله تبارك وتعالى، فقد كانوا يدعون في الجاهلية التبني، كأن يتبنى الرجل إنساناً ويقول: أنت ابني وأنا أبوك ترثني وأرثك، أنت مني وأنا منك، مع أنه ليس منه، فلم يزل هذا الشيء حتى جاء الإسلام.
فكان من حكمة الله سبحانه أن يتبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً، ثم تنزل الآية تنهى عن ذلك: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5] فكان النبي صلى الله عليه وسلم أول من نفذ ذلك، على الرغم من أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب زيداً حباً شديداً وزيد فضل النبي صلى الله عليه وسلم على أبيه وعلى أخيه وعلى عمه، فقد جاء أهله يبحثون عنه وعلموا أنه في مكة عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا يطلبون ابنهم وذهبوا للنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: ندفع لك الذي تريد وتعطينا ابننا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أو خيراً من ذلك؟) أي: أعطيكم خيراً من ذلك؟ (فقالوا: وما هو؟ قال: يختار زيد، فإن اختاركم فخذوه، وإن اختارني فما أنا بالذي يختار على من اختاره) فجاء زيد وأبوه يبكي عليه وعمه يطلبه وأخوه كذلك وزيد يقول: لا أختار على النبي.
وأهله كانوا كفاراً ومع ذلك فرحوا بأن زيداً طلب النبي صلى الله عليه وسلم ومكث عنده ورجعوا مسرورين بذلك، فصار ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم بالتبني، فنزل القرآن يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5] فلا يجوز لكم التبني، فأول من ترك ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع زيد إلى اسمه، فقد كان يطلق عليه زيد بن محمد فرجع إلى زيد بن حارثة رضي الله تبارك وتعالى عنه.
والغرض: أن الله سبحانه ذكر في هذه الآية: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب:37] قال: أدعيائهم، ولم يقل: أبناءهم لأنههم ليسوا أبناءهم، فكان الكفار إذا حدث منهم مثل هذا الشيء يعيرون من يحدث له ذلك ويقولون: تزوج زوجة ابنه أو دعيه، فلما نزلت هذه الآية إذا بالله عز وجل يقول: لا حرج في أن يتزوج الإنسان زوجة من كان قد تبناه إذا طلقها، كما جاز للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يتزوج من السيدة زينب {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب:37] أي: إذا قضى الله شيئاً لا بد وأن يكون.
ونرى في هذه الآية: أن الله سبحانه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج من السيدة زينب كان السفير بينه وبينها زيد رضي الله تبارك وتعالى عنه، فصارت عظيمة في نظر زيد، وكان يقول زيد رضي الله عنه: ما أجد في نفسي، قال: فذهبت ووليتها ظهري توقيراً للنبي صلى الله عليه وسلم وخاطبتها ففرحت، وإذا بها ترد الفضل إلى الله سبحانه وتقول: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤامر ربي، فأصلي لله وهو يأمرني بما يشاء سبحانه، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها.
فصنعوا وليمة الزفاف وصارت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين بما فيهم زيد الذي كان زوجها يوماً من الأيام وعوضه الله عز وجل عن ذلك بأن ذكره في القرآن وذكر نعمته عليه.
نسأل الله عز وجل من فضله ونعمه العظيمة إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.