قال الله سبحانه وتعالى بعد ذلك: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37].
(إذ تقول) أي: اذكر إذ تقول.
{لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب:37] وهو زيد بن حارثة رضي الله تبارك وتعالى عنه وهو الاسم الوحيد الذي ذكر في القرآن من أسماء غير الأنبياء، وكأنه ذكر مكافأة لـ زيد رضي الله تبارك وتعالى على صبره وعلى تنفيذه أمر الله سبحانه وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه أخذ منه شيء فعوض بما هو خير منه رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وزيد كما ذكرنا كان عبداً أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبناه في قصة ذكرناها قبل ذلك.
وبعد أن حرم الله التبني رجع نسبه إلى آبائه رضي الله عنه، فـ زيد أنعم الله عليه بنعمة الإيمان، وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بنعمة العتق، وأنه تبناه عليه الصلاة والسلام، فحصل على نعمة من الله سبحانه.
قال تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:37] فزوج النبي صلى الله عليه وسلم زيداً من زينب بنت جحش، وعلم الله سبحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ورضي الله تبارك وتعالى عن ذلك، فأبت وتضايقت من ذلك فنزلت الآية تؤدب وتهذب الجميع فرضيت، ولكن في معيشتها معه كانت لا تحب عشرته، فكانت تتعالى عليه وتعيره أنه كان عبداً، فضايقه هذا الأمر حتى كاد أن يطلقها، فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه؛ لأنه هو الذي زوجها إياه، فأوحى الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون ذلك، وأن زيداً سيطلق امرأته وستكون زوجتك.
فاستحيا النبي صلوات الله وسلامه عليه أن يخبر زيداً أنه سيطلقها في يوم من الأيام وسيتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فكتم عليه الصلاة والسلام هذا الشيء في نفسه، فهو لم يكتم أمراً أمر بتبليغه، وحاشاه صلوات الله وسلامه عليه، ولكن كتم شيئاً يخصه هو، فكان عليه الصلاة والسلام يقول لـ زيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:37] وهذا من حيائه عليه الصلاة والسلام.
فإذا بالقرآن ينزل عليه صلى الله عليه وسلم يقول له: لا تستحي، فهذا أمر ليس فيه حياء وإحراج لك، فقد أبحنا لك ذلك، والأمر الذي يحرجك أن تخالف أمر الله سبحانه وتعالى، وأنت لم تخالف فلا حرج عليك في هذا الشيء، فهو سيطلقها وأنت ستتزوجها.
فجاءه زيد فقال له عليه الصلاة والسلام: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:37] فإنه يسن لنا من السنن: أن الإنسان إذا جاءه آخر يشكو إليه امرأته يريد طلاقها، أن نقول له: اصبر، واتق الله، وأمسك عليك زوجك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لـ زيد رضي الله تبارك وتعالى عنه وسن للناس أن يذكر بعضهم بعضاً، وألّا يعين بعضهم بعضاً على الطلاق من أول مرة.
والغرض: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره ربه بذلك ونزل في القرآن هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:37] وانظر كيف يخاطب الله عز وجل نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
فالله له فضل عليكم جميعاً، وأنت لك فضل على هذا الإنسان، فبدأ يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويعاتبه ويبدأ بذكر نعمة النبي صلى الله عليه وسلم على زيد رضي الله تبارك وتعالى بعد نعمة الله عليه.