بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا * وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب:36 - 37].
يذكر الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين من سورة الأحزاب: أنه لا ينبغي لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
فالله أعلم بخلقه سبحانه، ويختار لهم الخير، فلا اختيار للعبد على ما اختاره الله سبحانه.
كذلك: النبي صلوات الله وسلامه عليه لا ينطق عن الهوى وإنما يتكلم بوحي من الله تبارك وتعالى، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم لمؤمن أو لمؤمنة أمراً من الأمور لم يكن لهم أن يختاروا بعد اختياره صلوات الله وسلامه عليه.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، ووصفهم في هذه الآية بالإيمان لتهييج باعث الإيمان في قلب الإنسان.
فالإنسان المؤمن هو الذي يستجيب لله وللرسول صلوات الله وسلامه عليه، ويعلم أن ما اختاره الله واختاره الرسول عليه الصلاة والسلام له خير مما اختاره هو لنفسه.
فذكر الله عز وجل المؤمن والمؤمنة وكان من الممكن أن يقول: (وما كان لمؤمن إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون له الخيرة) ويكون ذكر المؤمن مغنياً عن ذكر المؤمنة، ولكن حتى لا يظن أن هذا للمؤمن الذكر دون الأنثى، فنص على الاثنين كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ…} [الأحزاب:35] إلى آخر الآية.
فالله سبحانه وتعالى ويذكرنا بأن ما اختاره لنا خير مما اخترناه لأنفسنا، وما اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لنا خير مما نختاره لأنفسنا إن كنا مؤمنين.
قال تعالى: {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ} [الأحزاب:36] وهذه قراءة الجمهور.
أما نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وكذلك ابن ذكوان عن ابن عامر فيقرءون: (أن تكون لهم الخيرة من أمرهم).
يعني: ليس لهم اختيار في أمرهم بعد اختيار الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.