قوله تعالى: {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} [الأحزاب:35] فيتعلم الإنسان الخشوع إذا قرأ القرآن، ويستحضر المعاني العظيمة والجليلة في كتاب الله عز وجل، وإذا قرأ القرآن بكى، فإن لم يبك تباك ويقتدي بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يقرأ القرآن ويسمع لصدره أزيز صلوات الله وسلامه عليه من بكائه وخوفه من الله سبحانه وتعالى.
ويفعل الإنسان ذلك شيئاً فشيئاً حتى يرق قلبه؛ بكثرة قراءته للقرآن، وقراءته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرته الطيبة العظيمة، وبكثرة استغفاره ربه سبحانه وتعالى، فبذكر الله تطمئن القلوب وترق.
وإذا أراد الإنسان أن يخشع ويرق قلبه فليستشعر جلال الله سبحانه، وعظمته سبحانه، وينظر إلى الفقراء وإلى الأيتام ويمسح على رءوسهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أردت أن يرق قلبك فاربت على رأس اليتيم).
والذي لا ينهر المسكين، ولا الأرملة، ولا ينهر الذي يطلب منه شيئاً من معونة ونحوها يرق قلبه، ويخشع لله سبحانه وتعالى.
والإسلام دين عمل وتطبيق، فتطبق ما يقوله الله سبحانه، ليس كلاماً فقط، فكم من إنسان يتكلم عن الرقة وعن الخشوع ولا يرق قلبه ولا يبكي من خشية الله سبحانه وتعالى، وكم من إنسان يتكلم عن المساكين وعن الأيتام وعن الأرامل، فإذا جاءه المسكين أو اليتيم أو الأرملة نهره ولم يعطه شيئاً وقد يكون المال معه.
وأبأس من هذا البائس من يكون لديه مال لغيره فيبخل به عن اليتيم وعن المسكين وعن الأرملة وعمن يحتاج، بل محروم من خير الله سبحانه من يأتيه مسكين يطلب منه شيئاً وهو يقدر أن يعينه ويعلم أنه مسكين ويحرمه ولا يعطيه.
وأبأس من هذا من معه مال لغيره قد وكله في توزيعه على الفقراء، فيأتيه الفقير والمسكين فلا يعطيه شيئاً.
إن الخشوع والخوف من الله عز وجل شيئان لا يقالان باللسان وإنما يخرجان من القلب ويصدقهما عمل الإنسان.
لقد أوقفتني هذه الآية مع شيء حدث، وهو أن جاءت امرأة مسكينة إلى المسجد وابنها محتاج إلى نقل دم وتقول: إن ابنها في القاهرة يريد أن يعمل عملية في القلب، وهي تحتاج إلى مال، فلم يعطها أحد شيئاً، وبعد أيام أعطاها أحد الإخوة مالاً لذلك، فلما جاء إليها مات ابنها، وجاءت تطلب كفناً من أحد يعينها.
فلم تجد أحداً في المسجد، ومن الناس من يقول لها: الأكفان في المخزن، لكن الأكفان كبيرة، فلم تجد كفناً على مقاسه؛ فحزنت جداً مما حدث، هذه امرأة وابنها ميت وتريد كفناً، فيقال لها: إن الأكفان الموجودة في المسجد كبيرة، وهذه مأساة، فقد كان بإمكانها أن تأخذ كفناً كبيراً وتقصه وترمي ما بقي منه بعيداً أو تتصدق به.
فلابد للإنسان أن ينظر للفقير ويضع نفسه مكانه، فالطبيب الجراح قد تعود على أن يعمل عمليات جراحية؛ لذلك فإن قلبه شديد.
وكذلك الإنسان الذي يتعامل مع الفقراء والمساكين فمن كثرة تعوده على أن يأتي الفقراء والمساكين إليه يصبح الأمر بالنسبة له سهلاً، فأين رقة القلب؟ وأين الخوف من الله سبحانه.
لكن إذا جاء الفقير أو المسكين الذي يكذب على الناس فجزاء أمثال هؤلاء أن لا أحد يعطيهم شيئاً، لكن الإنسان الذي ابنه في المستشفى وهو مريض محتاج ولا يسأل الناس فهذا الذي يستحق أن يعطى.
وإذا مات إنسان فإن تكفينه ودفنه فرض كفاية، وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، وإذا لم يكن هناك مقبرة فلابد أن يتعاون الجميع على دفنه وإلا يأثم الجميع على ذلك؛ لأن هذه من فروض الكفاية التي تدرس في أحكام الجنائز.
ولا يستحق الإعانة من يقف على باب المسجد، فهم كذابون وأدعياء، وقد يكونون خاطفين للأطفال، فمثل هؤلاء لا نساعدهم.
ومن الناس من يدافع عنهم، وهل يدافع عن إنسان تارك للصلاة؟! حيث إن الناس يصلون وهو واقف خارج المسجد لا يصلي، وينتظر الناس حتى إذا أتموا الصلاة أخذ يطلب منهم، فليس هذا المسكين الذي نقصده، إنما المسكين والفقير هو الإنسان المحتاج الذي تعرفه، قال تعالى: {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:273] ولقد رأيت امرأة مسكينة جاءت تطلب وهي تحكي قصتها، وبجوارها أحد الإخوة الأفاضل يسمع قصتها ويبكي لبكائها.
فأنت تتقرب إلى الله عز وجل بإعانة هؤلاء، وتطلب الجنة من الله بهم فلا يكن قلبك قاسياً، إذا جاءك الفقير لا تعطيه شيئاً، فإن هذا لا يليق أبداً ولا نحب أن نسمع مثل هذا أبداً.
وكم من إنسان كان يطلب من الناس وصار مليونيراً بعد ذلك، والله أعلم متى تتقلب الموازين؛ لذلك فإن رقة القلب وخشوعه يدفع الإنسان للعمل، ويدفعه إلى أن يشفق على المحتاج.