أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين: قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:33 - 35].
في هذه الآيات من سورة الأحزاب وما قبلها من الآيات يخاطب الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه وهو القدوة الحسنة وهن القدوة للمؤمنات، فقال قبل هذه الآيات: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30] فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى لهن بأن يلزمن الطاعة ونهي لهن عن الوقوع في المعصية، فمن وقعت منهن في معصية من المعاصي المعلومة المنهي عنها فإنه سيضاعف لها العذاب، فإذا اتقت ربها سبحانه وقنتت وخشعت وأذعنت له سبحانه وتعالى كان لها الأجر المضاعف عند الله سبحانه، قال جل وعلا: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب:31].
ثم أخبرهن أنهن لسن كغيرهن من النساء لأنهن قدوة للنساء، تقتدي بهن كل امرأة مؤمنة طيبة صالحة، لذلك فإن الخطأ منهن سيتبعن فيه، والطاعة منهن سيتبعن فيها كذلك.
فإذا أطعن الله ورسوله واتبعتهن المؤمنات على ذلك، كان لهن أجرهن وأجر من عمل بهذه الطاعة من بعدهن حتى تقوم الساعة، فقال سبحانه: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] أي: بتقواكن الله سبحانه لستن كأحد من النساء، فإن اتقيتن ربكن سبحانه فاحذرن من المبالغة في ذلك فتقعن في الخضوع بالقول مع الرجال.
بمعنى: تقوى الله سبحانه لا تدفعكن إلى اللين في القول مع الرجال الأجانب، فإنما تلين المرأة في القول مع زوجها أو مع محارمها، أما مع الإنسان الأجنبي فلا، حتى ولو كان هؤلاء الأجانب أبناء لنساء النبي صلى الله عليه وسلم أو في حكم الأبناء، إذ هن أمهات المؤمنين ومع ذلك يحرم عليهن أن يخضعن بالقول مع الرجال الأجانب، ويحرم على المؤمنين الزواج منهن، وبذلك يكن قدوة حسنة لمن خلفهن.
قال الله سبحانه: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32]، حتى وإن كنتن أمهات المؤمنين فلا تلن في القول، وليكن القول منكن قولاً فصلاً فيه الحزم، فيه التأديب، فيه التهذيب، فيه الإرشاد، فيه التبليغ لدين الله سبحانه.
قال سبحانه: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، التعليل أنكن لو خضعتن بالقول طمع الذي في قلبه مرض، مع أن الإنسان الذي يذهب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم أو ليسأل أمهات المؤمنين هذا في العادة يكون على تقوى ويريد أن يتعلم الحكم الشرعي، ومن النادر أن يذهب الذين في قلوبهم مرض أو شك أو نفاق أو فسق؛ لأنه يخاف على نفسه من الفضيحة، بأن ينزل الله في شأنه قرآناً يفضحه بما قال، فإذا كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرن بهذا، فغيرهن من النساء من باب أولى، ففي كل امرأة مطمع، وكما قالوا: لكل ساقطة لاقطة، فقد تكون المرأة صغيرة ويهواها شاب أو شيخ، وقد تكون المرأة كبيرة ويهواها إنسان، فإذا لانت في قولها وقعا في الهوى ووقعا في الحرام، فعلى الإنسان أن يخاف على نفسه من الوقوع فيما حرمه الله سبحانه ويجتنب الخلوة مع النساء الأجانب.
وعلى المرأة كذلك أن تجتنب المخالطة للرجال قال سبحانه: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:32] يعني: مرن بالمعروف وانهين عن المنكر، والمعروف: ما جاء في كتاب الله عز وجل من أحكام شرعية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرهن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.