ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية المخزومية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة أربع من هجرته عليه الصلاة والسلام.
وكانت السيدة أم سلمة زوجة لـ أبي سلمة وهو أحد الصحابة الأفاضل المهاجرين رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكانت له فضيلة، فلقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر جنازته ونهى النساء أن ينحن عليه رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون) ودفن أبو سلمة رضي الله عنه وكان لـ أم سلمة خير الرجال وكانت لا تعرف من هو خير من أبي سلمة رضي الله عنها، فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم دعاء تدعو به في هذه المصيبة وتقول: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها.
قالت: من خير من أبي سلمة؟) ليس على بالها أبداً أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة فكانت تقول ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.
فالبركة في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم من أناس لم يقولوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
أرأيتم الرجل الذي كان غضبان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما فيه.
قالوا: وما هي؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، فقالوا له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
قال: أمجنون أنا؟ أي: لست مجنوناً حتى أقول هذا الكلام، فرفض أن يقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن - أم سلمة - استجابت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يخطبها بعد ذلك ويتزوجها وتصير من نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه في الدنيا وفي الآخرة.
وكان للسيدة أم سلمة أطفال صغار، منهم عمر بن أبي سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنهما، وزينب بنت أبي سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنها، وكانت زينب طفلة صغيرة، وكانت تبيت مع أمها في غرفة واحدة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي امرأته فصبر على ذلك لطيبة خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن أدبه عليه الصلاة والسلام، فقد صبر ليلة أو ليلتين، إلى أن انتبه عمار بن ياسر رضي الله تبارك وتعالى عنه وكان قريباً لها فدخل يزورها فوجد عندها هذه البنت فقال: أهذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذها رضي الله عنه وذهب بها إلى أهله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أهله عليه الصلاة والسلام.
ففي هذا الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج المرأة ومعها ابنتها وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم بالاثنين وإن جنى على نفسه عليه الصلاة والسلام، فليس مهماً أن يأتي امرأته، المهم أنه لا يحرم المرأة من ابنتها حتى تنتبه هي إلى ذلك.
فهذه من أحكام البيت ومن أحكام زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عدد من النساء، فنجد حكماً عظيمة لحوادث كثيرة، فلو لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد فمن أين كنا سنعرف كيف يعاشر الرجل امرأته؟ وكيف يؤدبها؟ وكيف يكون طيباً معها؟ وإذا كان معها طفلة كيف يصنع؟ وكم من إنسان يقول كلاماً ووقت التنفيذ يكون صعباً عليه ولا يعرف تنفيذ هذا الشيء، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وهو الأسوة الحسنة والقدوة للخلق، يجعل الناس يتأسون به عليه الصلاة والسلام ويتابعونه في ذلك، ويسهل عليهم المتابعة.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا معه في الجنة.