فأول زوجة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بها هي السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها، وكان أولاده كلهم منها، ثم تزوج الثانية وهي السيدة سودة، وذلك بعد وفاة السيدة خديجة، فقد عاشت مع النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة، تزوجها ولها أربعون سنة، وتوفيت ولها خمس وستون سنة رضي الله تبارك وتعالى عنها، فمكثت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين عاماً ودفنت بمكة.
والعام الذي توفيت فيه السيدة خديجة هو العام الذي توفي فيه عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب فكان يسمى هذا العام بعام الحزن، فإذا بالكفار يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويكيدون له كيداً لم يكونوا يصنعونه في حياة عمه أبي طالب وزوجته السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
والسيدة خديجة امتازت بأنها وحدها التي كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم خلال خمس وعشرين سنة، فلم يتزوج عليها صلوات الله وسلامه عليه، فقد عرف لها فضلها عليه الصلاة والسلام، لأنها راعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له زوجة وأماً وكانت تصنع كل شيء في بيته لتريح النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد خلفت للنبي صلى الله عليه وسلم بناتاً وبنين عليه الصلاة والسلام، البنات عشن بعد السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ومات أولاده كلهم في حياته صلى الله عليه وسلم ما عدا السيدة فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ومن خصائص السيدة خديجة أن الله عز وجل بشرها ببيت في الجنة من قصب، ومن لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب، وكانت من سيدات نساء الجنة، وابنتها السيدة فاطمة رضي الله عنها من سيدات نساء الجنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وامرأته سيدة النساء وابنته كذلك، وهذا شيء عظيم جداً من فضل الله سبحانه تبارك وتعالى.
وأولاده صلى الله عليه وسلم كانوا كلهم من السيدة خديجة رضي الله عنها، ولم يكن من نسائه أولاد غيرها رضي الله عنها، وابتلاه الله عز وجل ابتلاء عظيماً جداً، وهو أن كل أولاده ماتوا في حياته صلوات الله وسلامه عليه ما عدا السيدة فاطمة، لكي يتسلى المسلم بما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم عندما يموت له الولد فلا يجزع، بل يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما مات أولاده وصبر عليهم صبراً عظيماً صلوات الله وسلامه عليه، ففي غزوة بدر ماتت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وكتم عن المسلمين ذلك حتى لا يضيع عليهم فرحتهم بالنصر، فقد بلغه وفاة ابنته ولم يحضرها صلى الله عليه وسلم، وإنما جعل زوجها معها في المدينة ليقوم بأمرها، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضيع على الناس فرحتهم بالنصر في يوم بدر بحزنه الخاص صلوات الله وسلامه عليه.
فانظروا كيف كان مع الناس في نصرهم وأظهر لهم الفرح بذلك وفي داخله الحزن على وفاة ابنته صلوات الله وسلامه عليه.
ومكث فترة طويلة جداً صلى الله عليه وسلم، ولم تنجب واحدة من نسائه، وربنا ذكر ذلك: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:40] أي: لم يكن له ولد، لو كان له ولد لكان نبياً بعده صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (لا نبي بعدي) إذاً لا يمكن أن يعيش له ولد صلوات الله وسلامه عليه.
وفي آخر حياته يرزقه الله سبحانه وتعالى من أمة عنده وهي مارية القبطية التي أهداها له المقوقس عظيم مصر، ووطأها بملك اليمين عليه الصلاة والسلام فكان له منها إبراهيم ابن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فلو عاش لكان من الأنبياء ولكن مات وله من العمر سنتان وهو في الفطام، مات ابن النبي صلوات الله وسلامه عليه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشهر ليبتليه الله سبحانه وتعالى، وليعلم صبره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر العمر، وتوفي وله ثلاث وستون سنة عليه الصلاة والسلام.
في هذا السن الكبير يرزقه الله سبحانه وتعالى ولداً صغيراً عمره سنتان، وهذا أحب ما يكون إلى الأب، ثم يبتليه الله عز وجل بأعظم بلاء بأن يموت ابنه الوحيد، فيصبر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وتسيل عيناه دموعاً ويقول: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) وتخسف الشمس في هذا اليوم فإذا بالناس يقولون: خسفت الشمس لموت إبراهيم عليه السلام، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة).
فلا يمنعه حزنه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ حكماً من الأحكام الشرعية في الحال، فلا يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة، فالشمس لم تكسف لموت إبراهيم ولا لحياة أحد ولا لموته، إنما هذه آية من آيات الله، فإذا حدث ذلك فافزعوا إلى الصلاة.
فزاوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة أنجب منها الولد وماتوا في حياته عليه الصلاة والسلام.
وتزوج غيرها فمنع من الولد صلوات الله وسلامه عليه، وهكذا يصبر الإنسان إذا تزوج امرأة وكانت لا تنجب فهذا الشيء ابتلاء من الله عز وجل، ويتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج مجموعة من النساء، ولم تنجب له واحدة منهن، وقد تكون الواحدة منهن أنجبت لزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكثيرات منهن كن متزوجات قبل ذلك وأنجبن لأزواجهن ولكن مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصل ذلك إلا مارية فقد كانت أمة عنده فوطئها فأتت بولد ثم مات بعد ذلك، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وضرب لنا المثل العظيم والأسوة الحسنة في الصبر على أمر الله وعلى قضائه وقدره سبحانه وتعالى.