أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الخامسة والعشرين من عمره، أي: قبل أن ينزل عليه الوحي بخمس عشرة سنة، لأنه نزل عليه وله أربعون سنة صلوات الله وسلامه عليه.
ففي سن الخامسة والعشرين تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها، وكانت أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة، فالسيدة خديجة كان لها أربعون سنة حين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فتزوجها وهو شاب صغير، وهي قد تعدت مرحلة الشباب ودخلت في الكهولة فكانت في سن الأربعين رضي الله تبارك وتعالى عنها، وكانت حكمة من الله تبارك وتعالى أن يتزوج من هذه المرأة الفاضلة الصالحة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
والسيدة خديجة كانت امرأة غنية وحكيمة رضي الله عنها، وكانت متزوجة قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
واسمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، فتجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده صلوات الله وسلامه عليه، فجدها قصي بن كلاب وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً.
كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند رجل كنيته أبو هالة واسمه زرارة بن النباش من بني أسد، وقبل ذلك كانت عند رجل آخر اسمه عتيق بن عائذ، وولدت منه غلاماً اسمه عبد مناف، وولدت من أبي هالة هند بنت أبي هالة.
فالسيدة خديجة تزوجت مرتين قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صاحبة مال عظيم، وقد تاجر لها وقتاً من الأوقات في مالها عليه الصلاة والسلام فظهرت بركة النبي صلى الله عليه وسلم في مالها، وزاد مالها ونما نمواً عظيماً ببركة عمل النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فأحبت النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها صلى الله عليه وسلم، وذهب عمه أبو طالب وخطبها للنبي صلى الله عليه وسلم وفرحت بذلك فرحاً عظيماً.
فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة العظيمة الرءوفة الرحيمة، وكانت له كالأم، وهذه من حكم الله سبحانه أن يتزوج أول ما يتزوج من امرأة تكبره سناً صلوات الله وسلامه عليه بخمس عشرة سنة، فعمره خمس وعشرون سنة، وعمرها أربعون سنة، فلم يتزوج عليها صلوات الله وسلامه عليه حتى توفيت بمكة رضي الله عنها بعد سبع سنوات من بعثته صلوات الله وسلامه عليه، أو عشر سنوات.
توفيت السيدة خديجة ولها خمس وستون سنة، أي: مكثت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة، وكل هذا الحين لم يتزوج عليها امرأة أخرى صلوات الله وسلامه عليه.
وبعدما بعث مكثت معه في مكة سبع سنوات أو عشر سنوات، ثم توفيت رضي الله تبارك وتعالى عنها، وكان من أعظم البلاء على النبي صلى الله عليه وسلم ومن أعظم أسباب الحزن والهموم موت السيدة خديجة وموت عمه أبي طالب في عام واحد، والاثنان كان بين موتهما أشهر يسيرة فسمي هذا العام بعام الحزن؛ لأنه عام حزن فيه النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديدا ً على وفاة عمه وعلى وفاة السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
فعمه أبو طالب كان يدافع عنه عليه الصلاة والسلام، فلم يجرؤ أحد من المشركين أن يؤذيه صلى الله عليه وسلم في حياة عمه أبي طالب، والعجب أنه مات على الكفر، ولله الحكمة العظيمة سبحانه وتعالى أن يموت هذا الرجل الذي دافع عن النبي صلى الله عليه وسلم كافراً.
إن السيدة خديجة هي أول امرأة آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي أول من دعاها النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو في الغار عليه الصلاة والسلام، ويأتيه جبريل فيذهب إلى بيته عليه الصلاة والسلام وهو في غاية الرعب والخوف ويقول: زملوني، زملوني دثروني، دثروني، أخاف أن يكون قد ذهب عقلي، تقول له: لا والله ما ذهب عقلك، وما كان الله ليصنع بك ذلك، وإنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الحق، وتقري الضيف.
فهي أول من آمن بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، وتذهب إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وتحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وما حدث له وتقول: أخبر ورقة بذلك فيحدثه فيقول: إنه الناموس الذي جاء موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
هذه السيدة خديجة المرأة الحكيمة العاقلة رضي الله تبارك وتعالى عنها، مكثت مع النبي صلى الله عليه وسلم عمراً طويلاً، وهو يدعو إلى الله سبحانه وتعالى وأعانته على ذلك بمالها وبنفسها، فقد كانت تعطف على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرف لها ربها فضلها، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) والقصب هو اللؤلؤ، أي: ببيت من لؤلؤ.
وقوله: (لا صخب فيه ولا نصب) أي: لا تسمع فيه صراخاً ولا صياحاً، وكم سمعت من الكفار وهم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وكم ترحمت عليه صلى الله عليه وسلم مما يفعله به هؤلاء، فقد رحمت النبي صلى الله عليه وسلم وواسته ووقفت بجواره رضي الله تبارك وتعالى عنها، فبشرها الله عز وجل لصبرها على إزعاج هؤلاء المشركين في الدنيا، ببيت في الجنة من لؤلؤ، لا صخب فيه ولا نصب، ولا تعب بعد هذه الدنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الجنة له عند الله المنزلة العظيمة، وهي زوجته في الدنيا وفي الآخرة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ماتت السيدة خديجة بمكة، ودفنت بالحجون، وهي مقبرة موجودة في مكة، دفنت هنالك ولم يصل عليها، إذ لم يكن قد فرضت الصلاة على الجنازة في هذا الوقت، فخرج بها من بيتها ودفنها النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرتها عليه الصلاة والسلام، ليكون في الأرض التي دفنت فيها أثر بركة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاتها عدداً من النساء كما سنعرف بعد ذلك.