أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب:22 - 25].
ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات وما قبلها وما بعدها ما كان في يوم الأحزاب: وهي غزوة الخندق، وقد كانت في شوال من العام الخامس لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد جاء فيها الكفار بسبب اليهود الذين ألبوهم على المسلمين وأغروهم بأن يأتوا إلى المسلمين في بلادهم، فجاءت قريش وغطفان، وظاهرهم المنافقون من بني قريظة، وكان عدد الكفار عشرة آلاف رجل، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف.
فلما رأى المؤمنون هذا الأمر قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:22].
والله عز وجل وعد المؤمنين إما النصر والتمكين، وإما الشهادة والجنة.
فلما رأى المؤمنون هذا الذي أمامهم ولا طاقة لهم به قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، أي: إما ينصرنا، أو نقتل ونكون في الجنة.
وقد صدقوا الله وصدقوا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وقد أراهم النبي صلى الله عليه وسلم آية من الآيات حين كسر الصخرة التي كانت في الخندق ومنعت المؤمنين من الحفر، فنزل إليها بنفسه عليه الصلاة والسلام وضربها ثلاث ضربات، وفي كل ضربة يتفتت جزء من هذه الصخرة ويخرج منها من الشرر ما يشاء الله سبحانه، ويرى نوراً يخرج منها، فيقول: (الله أكبر، أعطاني الله عز وجل كنوز كسرى، أعطاني الله كنوز قيصر، فتح الله عليكم اليمن)، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر من أمر الله سبحانه، فصدق المؤمنون وقالوا: هذا وعد من الله سبحانه سيكون ويتم.
وأما المنافقون فكذبوا بذلك وأظهروا كفرهم وتكذيبهم، وقالوا: يعدنا بكنوز قيصر وكسرى ونحن لا يأمن أحدنا أن يدخل الخلاء.
وظهر النفاق من هؤلاء، ودعا بعضهم إخوانهم إلى أن يهربوا إلى المدينة وقالوا: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب:13]، أي: اتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وارجعوا إلى المدينة فلا مقام لكم في هذا المكان ولن تقدروا على الكفار، حتى جاء نصر الله سبحانه وتعالى ففضح المنافقين وأيد المؤمنين، وأخبر عن حال الفريقين، فقال عن المؤمنين: إن هذا الهم الذي كانوا فيه ما زادهم إلا إيماناً وتسليماً، فازداد إيمانهم، والمصائب والبلاء يجعلهما الله سبحانه على المؤمنين رحمة بهم، فيزدادون إيماناً بما يحدث لهم من بلاء، ويزدادون إيماناً ويقيناً، ويمحص الله ما في قلوبهم من إيمان فيظهر الإيمان، ويظهر التمسك بدين الله تبارك وتعالى.
فإن في وقت الرخاء يزعم الجميع أنهم على الدين، وأنهم يفدون هذا الدين بأرواحهم وأموالهم ودمائهم، ولكن إذا نزل البلاء لا يثبت إلا المؤمن الزائد الإيمان، فمدحهم الله سبحانه أنهم ازدادوا في هذا البلاء إيماناً، وازدادوا تسليماً لله سبحانه، ورضا بالقضاء والقدر، فرضوا بقضاء الله وبقدره، وبما يكون من أمر الله سبحانه فأعطاهم الله النصر، ومكن لهم سبحانه، ووعدهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عندما قال: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، فكان ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه.